شاب مشارك في اعتصام 21 أيلول/سبتمبر في لامبيدوزا، قبل ضربه. تصوير أليسيو جينوفيزيه
تعلمون أن بعض رجال الأمن في لامبيدوزا يتصيدون التونسيين، مرتدين قمصان كُتب عليها باللغة الإيطالية: "أكنت موجوداً في لقاء مجموعة الثماني 2010؟" وهناك بين رجال الشرطة من يرتدي تحت زيه قميصاً عليه نسر أسود وكلمة "مرتزقة"؟ ربما يظن البعض أن هذه مجرد تفاصيل، وإنما في رأيي هذا هو انعكاس لما وصلنا إليه. فالحدود أصبحت خارج نطاق السيطرة، غياب للقانون وللمعلومات على حدٍّ سواء، يتولى شأنها مجموعات من البلطجية الممجدين، نفس الجلادين المسؤليين عن مذبحة جنوة، وعن حالات الوفيات المشبوهة والتي تقع بالسجن أو بمراكز الشرطة (شاهد "كوتشي"، و "أوفا"، و "ألدروفاندي"...) وعن عمليات الضرب المتكررة على نحوٍ متزايد في مراكز تحديد الهوية والترحيل. حتى وإن قيل أنه في أيام استرداد لامبيدوزا لم يكن وكلاء النيابة هم من يقومون وحدهم بعمليات الضرب، لأنه بالإضافة إلى الهراوات التي كانت في أيديهم، كان هناك أيضاً العاملين "بمركز استقبال" لامبيدوزا. شهود عيان قليلون. الصحفيون يتم إقصائهم: إما ترهيباً وإما ضرباً، حتى أن صور المحرريين تزودهم بها الشرطة نفسها. ولمعرفة كيف كانت الرقابة مفروضة في تلك الأيام، كان معنا "أليسيو جينوفيزيه" أحد المصورين القلائل والذي كان بالجزيرة وبقي مع الشباب التونسيين حتى أعنف أعمال رجال الشرطة. طلبنا منه العودة إلى تلك الأحداث، فخطورة ما حدث تتطلب منه ذلك. وشهادته كانت كما يلي
معركة لامبيدوزا، الجزء الثاني
كتبه أليسيو جينوفيزيه، مصور صحفي
أصبحت لامبيدوزا مثالاً لما يمكن أن يحدث في إيطاليا في الأيام القليلة القادمة. شاهدنا رجال الشرطة يتجولون في زيهم العسكري العصري. القميص الذي كُتب عليه: "أكنت موجوداً في لقاء مجموعة الثماني 2010؟" وآخر كُتب على ظهره إضافة إلى ذلك "مرتزقة".ومُنع الصحفيون من ممارسة عملهم بالكامل. تجنب أهل لامبيدوزا وقوات الأمن التحدثت مع حوالي 300 تونسي مشاركين باعتصام سلمي بالقرب من البلدة مهددين ومتوعدين، بل وضاربين المصورين
الصور الوحيدة التي تم تناقلها خرجت تحت سيطرة مزدوجة: قبل وبعد وقوع الأحداث. الوحيدون الذين صوروا كل شئ سواء بالصور أو بالفيديو هم رجال الشرطة. وقد قامت مجموعة دقيقة منهم بإزالة الأجزاء التي يُرى فيها وجوه أو تفاصيل من قاموا بالضرب
لم تُر مشاهد لرجال يرتدون الزي الرسمي للعاملين "بمركز استقبال لامبيدوزا" (الجهة التعاونية التي توفر الخدمات داخل مركز استقبال "كونترادا إمبريكولا") والذين قاموا بضرب التونسيين باستخدام الهراوات والأدوات الحديدية والحجارة والعصي
في لامبيدوزا، وبعد حملات 21 أيلول/سبتمبر، شهدنا الكثير من التونسيين يرحلون مع وجود علامات واضحة على الضرب والعنف. رأيناهم مصطفين في صفٍّ واحد مع إثنين من رجال الشرطة رافقهم إلى الطائرة ثم إلى السفينة. ولم يكن في استطاعة أحد أن يسألهم كيف كسرت أرجلهم أو أيديهم. حيث التعتيم على كل شئ، واستمر رحيلهم وأيضاً ترحيلهم. عدم الشرعية والاعتداء الواقع على القانون لا ينبغي اتباعهم
محرري الصحف كانوا يحاولون ويريدون فقط الصور الأكثر دموية: "صور التونسيين الذين أثاروا رجال الأمن في لامبيدوزا"، "وصورة الشاب الذي كان يمسك الولاعة في يده محاولاً تفجير قنابل". الصور التي لا يمكن أن نجدها لأن الأمور سارت بشكلٍ مختلف
لكن مهمة الصحفي يجب أن تكون قص الأحداث، والتحدث مع الناس، والذهاب شخصيا للتحقق، والتحلي بالإنسانية. فقط بهذه الطريقة استطعنا التعرف على "مهدي". طالب عمره 19 عاماً، يلتحق بالعام الأخير بالثانوية العلمية
يختفي مهدي وسط الحشود ويقترب مبتسماً، ويكرر مرتين: "اختر رقماً، اختر رقماً" هكذا هي اللعبة: أن تختار رقماً وأن تضاعفه مرتين. ثم اجمعه على الناتج واقسمه على إثنين، عند هذه النقطة إطرح الرقم الذي اخترته في البداية، تصبح النتيجة نصف الرقم الذي اخترته
لمهدي شقيق يعمل ويعيش منذ سنوات في لينيانو مع عائلته، أما أخته فتعيش منذ خمسة عشر عاماً في نيس. يحلم بالذهاب للعيش مع شقيقته وأن يلتحق بكلية الرياضيات. ويقسم أنهم إن رحلوه من أوروبا إلى تونس فسيكرر المحاولة مئات المرات. هذه هي معركته
ربما هذا صحيح، ربما يواجه التونسييون الذين يبحرون إلى لامبيدوزا معركة حقيقية. قرروا مواجهة العدو بلا سلاح، شخصياً وبأوجه مكشوفة. فمعركتهم هي معركة ثقافية. أن يهزموا تعريفاً أو مفهوماً: فكرة الحدود كما نعرفها اليوم
ليس من التونسيين يجب أن تحمي لامبيدوزا نفسها. روما، الحكومة والوزارة، والنشرات التلفزيونية والصحف هم من خلقوا مناخاً من الخوف والحرب ضد الآخر. إنهم هم من خلقوا الحدود
أنهم هم من خلقوا لامبيدوزا "الطرف المتطرف في إيطاليا في الأسلحة"، كما يشير النصب التذكاري للحرب الذي يطل على ميناء الجزيرة. الحدود التي أصبحت حائلاً، عسكرة إلى أقصى درجة. ميدان تدريب من أجل حرب حقيقية
إنها الحرب التالية. الحرب التي ستشنها الدولة على الغير إيطاليين المصابين بحساسية الربيع العربي. أولئك الذين لم يعودوا يطيقوا العيش بدون تخطيط للمستقبل في بلد فقير. أولئك الذين يذهبون من الجنوب إلى الشمال، ومن هناك يسافرون إلى الخارج. الشباب الذين يظلون شباباً حتى سن الخمسين، وأولئك الذين يعيشون من خلال الحصول على دورات تدريبية والتطوع للقيام ببعض الأنشطة
ماذا سيحدث إذا تركونا نتحدث مع الشباب التونسي؟ ماذا سيحدث إذا فهمنا أن تاريخنا هو تاريخهم؟ لماذا يخشون ذلك؟
ألا يخافون من خطر تعرض الرعايا الإيطاليين في تونس للأذى؟ ماذا سيحدث إذا تحول التونسيون إلى كراهيتنا ومهاجمتنا عند رؤيتنا؟ الشركات، والمؤسسات التجارية، والإيطاليون المتواجدون بتونس، مئات الأسر ذات الأصل الصقلي الذين يسكنون حي بوتي سيسيل في لا جوليه ماذا سيقولون لجيرانهم، لزملائهم، ولموظفيهم التونسيين؟
أليسيو جينوفيزيه
ترجمة: محمد نجيب سالم