في الخامس عشر من مارس، سيتم طارق خمسة سنوات. ويأمل كثيراً أن يعود والده ليحضر عيد ميلادده. فهو لا يراه منذ أكثر من شهرين. "ولكن أين ذهب بابا يا طارق؟"، سألته. "إلى أفيتسانو"، أجابني بخجل، ثم أسرع ليختبيء وراء السلالم، فتبعته ابنة عمه سارة لتصحح – بنبرة العارف بالحقيقة - : "ليس صحيحاً! لقد ذهب إلى المغرب". وجد أبو زيد نفسه – بعد أن ابتسم في البداية – في موقف محرج. لم يقم أحد حتى الآن بإخبار الأطفال بما حدث حقيقةً. فبعض الأشياء يصعب شرحها للأطفال. فمثلاً كيف لي أن أخبر طفلاً بأن إيطاليا لديها في عام 2011 قانون يمنع الأب من العيش بجوار ابنه إذا لم يكن لديه ورقة تسمى "تصريح إقامة"، وأنه بدون هذه الورقة يأتي رجال الشرطة إلى المنزل، ويطرقون على الباب بقوة، وتعلوا أصواتهم، ثم يزجوا بك داخل سيارتهم - تماماً كما يحدث في الأفلام – ويحملونك إلى ما يشبه بالسجن بعيداً عن عائلتك ومدينتك. لا، من الأفضل ألا نقلق الأطفال، فلنتركهم يلهوا ويلعبوا - وكأن شيئاً لم يكن - في مراعي هذه القرية بأبروتسو.
نحن في جويا مَرسي، مقاطعة لاكويلا. هناك منازل قليلة أسفل الجبل، 2000 نسمة، شباب قليل، وأسر كثيرة من المهاجرين، ما جذبهم إلى هذا المكان هو اقتصاد الزراعة في سهل فوتشينو. جل ما يقوم به الرجال في الحقول قطع الكمون وجني الخس. أما النساء فيقمن بغسل الخُضَر. هنا تعيش أيضاً عائلة كابور، والد طارق الصغير. تعرَّفن على كابور في مركز مودينا لتحديد الهوية والترحيل، حيث يتم احتجازه منذ شهرين، في انتظار ترحيله إلى المغرب. اليوم هو الأحد الموافق 12 آذار/مارس، وأتينا إلى هنا كي نحصل على رؤية أكثر وضوحاً. ففي جويا يعيش الآن والداه، وأعمامه، وأخواته الأربعة، وأبناء أعمامه، والزوجة، ورفيقته السابقة مع ابنه طارق. يعيشون هنا منذ وقت طويل. كان كابور قد وصل إلى إيطاليا وعمره 11 سنة، والجميع يعرفه في البلدة. الأخوات، أبناء الأخوات، وابنه، جميعهم ولدوا بعد ذلك في إيطاليا. نعم، فعائلة كابور كانت أول عائلة مغربية يستقر بها الحال في جويا مارسي، وذلك في عام 1995. أول من وصل كان جد طارق، والد كابور، السيد عبد الكريم، والذي وصل إلى أبروتسو في عام 1989، عندما كان يبلغ من العمر 33 عاماً. وبعد مرور أربع سنوات، لحقت به الزوجة وأبنائها الثلاثة.
"هذا هو المرعى حيث كان يلعب الصغار" – أخبرني السيد عبد الكريم مشيراً إلى حقل بور. "كنا نشكل فرقاً: أنا وكابور وليلي ومريم، اثنان ضد اثنان". وارتسمت أسفل شاربه الأبيض ابتسامة بين تجاعيد وجهه الذي يعتريه التعب. اثنان وعشرون عاماً من العمل الشاق، انكسر خلالها ظهره من العمل في الحقول، والتجول بعربته الكارو لبيع بضاعته في مهرجانات المقاطعة أثناء أيام العطلة. عشرون عاماً من المبالغ المدفوعة للحكومة الإيطالية، والمدخرات التي استطاع توفيرها بعد أن اشترى منزلاً هنا في جويا مارسي، حيث ترعرع أولاده في هذا البيت. "تلك هي المدرسة الإبتدائية حيث درست فيها بناتي، وهذه هي المدرسة الإعدادية التي التحق بها كابور".
بعد أن أمضى بضع سنوات مع والده وسط الحقول، اتجه كابور إلى التجارة. كان لديه عربة كارو، وكان لديه تصريحاً للعمل كبائع متجول. في قبو المنزل لازال هناك مخزن البضائع. صناديق كبيرة مليئة بالساعات، والأقرط، والمحافظ، والأحزمة، ولعب الأطفال. كان العمل يسير بشكل جيد، إلى أن جاء يوم قبضوا عليه فيه لبيعه نسخاً لاسطوانتين ماستر تحتوى على أفلام وموسيقى. نفس هذه الإسطوانات تباع بالآلاف في مختلف مدن إيطاليا، ولكن في أفيتسانو كان هناك منذ وقت ليس بقليل إنذار يحظر بيع هذه الأشياء، فبسبب هذه الإسطوانات، اتهم كابور بانتهاك حقوق المؤلف، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، خُفِّضَت المدة بعد ذلك إلى أربعين يوماً بفضل عفو 2006.
مع مرور الوقت، نسي كابور سابقته الجنائية. ولكن بعد مرور سنوات، إذا بهم يقومون بسحب تصريح إقامته بموجب قرار صدر في هذا الشأن في تموز/يوليو 2010. ناهيك عن هذا الحكم، تم إعادة فتح ملف إدانة أخرى بالسرقة، فعل صبياني ارتكبه منذ عشر سنوات، عندما قام برفقة أربعة من أصدقائه بسرقة خمس قطع ملابس من إحدى محال بيع الملابس في أفيتسانو. بموجب هذا القرار، اعتبرت محافظة لاكويلا أن كابور عنصر يمثل "خطراً على المجتمع" مما يدعو إلى ضرورة طرده بشكلٍ فوري خارج الأراضي الإيطالية. لا يهم إذا كان هذا الشخص يعيش منذ طفولته في إيطاليا. ابن لعائلة لها في إيطاليا ثلاثة أجيال: الأب، والأبناء، والأحفاد. أرسلت الشرطة إحدى سياراتها لإلقاء القبض عليه في منزله في السابعة من صباح يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر، وكأنه هارب من العدالة. وفي اليوم التالي كان خلف قضبان مركز مودينا لتحديد الهوية والترحيل، حيث يتصل كل يوم بطارق، ويطمئنه بأنه سيعود قريباً.
ولكن لماذا هذا العداء المفاجيء ضد كابور؟ يتسائل محاميه، تشي تيرا، مؤكداً: "تحدثت مع رجال الشرطة، وفهمت أن هناك تخوفاً من كابور". من المعروف أن رجال الشرطة تقوم بتجنيد من لا يحملون تصاريح إقامة وإشراكهم في عمليات مكافحة المخدرات، حيث يساعدونهم من خلال إخبارهم بأسماء مروجي المخدرات. من يقبل التعاون مع الشرطة، يتلقى وعداً بحياةٍ آمنة بعيدة عن ملاحقات الشرطة لهم؛ أما من يرفض، فيتلقى تهديداً بالمحاكمة والترحيل. وماذا عن جويا؟ لا، فيتردد في المدينة أن من حينٍ لآخر كان رجال الشرطة يأتون ليلاً إلى منزل كابور، ثم يأخذونه إلى قسم الشرطة. عن أي شيءٍ كانوا يتحدثون؟ وعن أي شيءٍ كانوا يتحدثون تلك الليلة التي انتهى فيها المطاف بكابور داخل إحدى المستشفيات إثر تعرضه للضرب من قبل رجال الشرطة؟ هل أنتم متأكدون أن ما كانوا يتحدثون عنه هو مجرد ضرورة ترحيله من البلاد؟