19 April 2009

قصة الصيادون الشجعان في قناة صقلية

يلتقي صيادو قناة صقلية بقوارب المهاجرين القادمين إلى لامبيدوزا كل يوم تقريباً. هؤلاء الصيادون يقومون في معظم الأحيان بعمليات الإنقاذ بدلاً من مراقبي الساحل و البحرية. سجلت أخر عملية إنقاذ يوم 28 نوفيمبير 2008، كان البحر حينها هائجا والأمواج وصلت لارتفاع 8 أمتار ومع ذلك تم إنقاذ 650 شخصاً. توجب علي أن اذهب شخصياً إلى ذلك الميناء لملاقاة هؤلاء الشجعان، فاكتشفت أنهم يقومون بتلك العمليات دائما وليس لأول مرة. رجال تم إنقاذهم من مصارعة الأمواج والتشبث بقارب غارق، قصص عجيبة. موت أشخاص غرقاً على بعد مترين فقط من حافة النجاة، قصص حزينة. أما القصص البطولية سمعتها من أشخاص يقفزون في البحر ليلا وفي أي وقت لإنقاذ امرأة سقطت في الماء. هناك أيضاً قصص قاسية كأشخاص ماتوا مأكولين من الحيتان. كلها قصص إنسانية عميقة. أبطال مجهولون لم يترددوا أبدا لمساعدة أي شخص، فعند رؤية طفل، مثلا، ذو ثلاثة أشهر يصارع الموج، لا تفكر لحظتها في مال ولا في وقت ضائع بل بكيف تنقذ حياته. كان أول من صعد القارب في ذلك اليوم، 28 تشرين الثاني (نوفمبر) طفلة لا يزيد عمرها عن بضعة أشهر. كانت ملفوفة بغطاء، فتحته عنها وبدأت ألاعبها حتى ضحكت. ضلت على متن قارب خشبي طوله 10 أمتار مع أمها ومع 350 شخصاً اخرا في البحر لمدة 3 أيام وكان هائجاً جداً وعلى بعد 10 أميال من جنوب شرق الجزيرة. القبطان “بيترو روسو” لن ينسى أبداً وجه تلك الطفلة. قائد رقابة الميناء كان قد طلب من القبطان التدخل حيث أن قوات رقابة الساحل لم تتمكن من الخروج بسبب العواصف بالإضافة إلى عدم وجود أي سفينة تابعة للبحرية. فقرر القبطان مساعدة الجميع دون أي تراجع ولهذا في اليوم التالي قام القائد “سلفاتوري كنشيمي” المعروف باسم سكلاشي، بالخروج لمساعدة القارب الاخر والذي كان على متنه 300 شخص على الرغم من أن قوة دفع الماء كانت 7 درجات.



أخر رؤية كانت على بعد 15 ميلاً من غرب الجزيرة بجانب الصخر البحري في “لمبيوني”. خمس سفن صيد من أسطول مازارا دخلوا لتمشيط المنطقة على الرغم من منع دخول البحر بسبب حالته. و يروي كنشيمي إن الأمواج كانت عالية، 8 أمتار، والرياح تهب بسرعة 70 كيلومترا في الساعة وأضاف أيضا أن البحر كان هائجاً لدرجة أنه كان من الممكن أن ينقطع الكابل. لهذا قرروا مرافقة القارب لصد الريح عنه حيث أن الأمواج كانت تضرب بشدة. وكان كل من على القارب يبحث على مأوي بجانب الصخور البحرية في لامبيدوزا في كوتسو بوننتي. كنشيمي يستمر قائلاً: إن أوقفنا القارب لنقلهم إلى قارب اخر، سيأتي هنا المشهد الأكثر صعوبة حيث إذا ما انتقل الجميع إلى جانب واحد سيفقد القارب توازنه ويغرق الجميع.

بتاريخ 17 لوليو 2007 حدث شي مشابه ولكن مع القائد ” نيكولا ازارو” ،دفعه عام 1953. حينما كانوا يصطادون الجمبري الأحمر بجانب الساحل الليبي إقترب منهم قارب من الألياف الزجاجية حاملاً على متنه 26 شخصاً وكان قد فرغ من الوقود، ولكن الاشخاص الذين على متن القارب قاموا بطلب البنزين، في حين أن نيكولا لاحظ ان قاربهم يعمل بالديزيل، وبالتالي فهو لا يستطيع مساعدتهم. ولكن فلاح السلم اقترح على نيكولا فكرة نقلهم إلى القارب. ومع أن البحر كان هادئاً إلا أنه بسبب الضجيج والتدافع، انقلب القارب ولم يكن أحدا يعرف السباحة وصاروا يسحبون بعضهم البعض كي ينجو كلا بنفسه. القائد نيكولا قام ومجموعته على الفور برمي الحبال وستر النجاة وتم انقاذ 16 شخصاً فقط ومات الاخرون غرقاً أمام عيني، يقول نيكولا ازوارو. كافأت الأمم المتحدة قادة ميناء مزارا على شجاعتهم في جميع ما نفذوه من عمليات إنقاذ. وسميت المكافأة بـ: شجاعة إنقاذ الأرواح. وصرفت المكافأة لهم بداية عام 2007، للتشجيع على إنقاذ كل من يحتاج ولكن هذا الإنقاذ يبدو جريمة في أيامنا هذه. فالقائد زنذيري، كمثال على ذلك، هو وستة من البحارة التونسيين وجهت لهم تهمة المساعدة على الهجرة غير الشرعية وذلك فقط لأنهم ساعدوا طفلين وامرأة حاملاً، عندما رأوهم بين 44 شخصا على قارب مطاطي كان على وشك الغرق. حدث ذلك يوم 8 آب (أغسطس) عام 2007، فبعدما أخذ القائد زنذيري المرأة والطفلين معه على قاربه بعد إنقاذهم، واجه وبحارته أسوأ مصير له حيث تم الحكم عليهم بالسجن لمدة ثلاث سنين ونصف وذلك بعد سنتين من المحاكمة. المحامون تقدموا بطلب الاستئناف وهم على استعداد لرفع القضية وإيصالها إلى المحكمة الأوربية إذا لزم الأمر. أما القائد زنذيري فقد قال: إنه إذا قدر لي فسأعاود الكرة ثانية فهكذا هو قانون البحار والتضامن مع هؤلاء لا يعد جريمة أبداً.