03 June 2011

لامبيدوزا: بلع شفرات الحلاقة. 28 محاولة انتحار


بعد أول أربعة سجناء قاموا بقطع شرايينهم يوم الأربعاء الماضي، حاول أمس 28 آخرون الانتحار. بعضهم يبلع شفرات حلاقة وإبر وقطع من الزجاج، وآخرون يقطعون شرايينهم. هكذا يزداد الاضطراب في مركز الاستقبال في لامبيدوزا، الذي تَحَوَّلَ منذ يوم الإثنين من مايو إلى سجن، يتم فيه احتجاز - بطريقة غير شرعية وبدون أية أحكام قضائية - حوالي 200 تونسياًّ وصلوا إلى الجزيرة الشهر الماضي. على الجزيرة لا توجد مستشفى، فقط نقطة إسعافات أولية، حيث يتم نقل الجرحى إليها لتلقي الرعاية الطبية الأولية. أما الحالات الخطيرة يتم نقلها على متن مروحية إلى مستشفى "تشيرفيلو" في باليرمو، أو "سان جوفاني دي ديو" في أجريجينتو، كي يخضعوا عمليات جراحية. حدث كل هذا عندما تم استئناف عمليات الترحيل الجماعي

تم نقل 35 تونسياًّ من الجزيرة على متن مروحية متجهةً مباشرةً إلى باليرمو، حيث تم ترحيلهم بعدما قام القنصل التونسي بالتحقُّق من هويتهم بالمطار. وصل الخبر على الفور إلى لامبيدوزا عن طريق الشباب المرحلين الذين اتصلوا هاتفياًّ بأصدقاء لهم في مركز الاستقبال، قائلين لهم أنهم تم ترحيلهم إلى تونس. وهكذا اندلعت الاحتجاجات من جديد.

وحاول أمس مسئولون بالمنظمة الدولية للهجرة وبعض ضباط الشرطة أن يهدئوا الجميع ويشرحوا للسجناء أن هذه الطريقة لن تعود عليهم بشيءٍ، وإنما فقط تُعَرِّض حياتهم للخطر. لكن أوان هذا الكلام قد فات. ووصلت حدة التوتر إلى أوجها، فكرامتهم قد أهينت ولمراتٍ كثيرةٍ جداًّ.

"ذُقنا في تونس التعذيب على أيدي الشرطة، واعتقدنا أننا نستطيع أن نجد الحرية في إيطاليا. لكن – وعلى العكس - تم حبسنا لمدة شهر في السجن، ونطالب بحريتنا." هكذا تحدث - دون أن يكشف عن هويته - أحد الأصدقاء من جنوب تونس، كان سجيناً سياسياً في عهد الرئيس بن علي، عندما شارك في الحركات الثورية في الرديف في عام 2008 وبالتالي وقع ضحية للتعذيب في سجون النظام. وصل إلى لامبيدوزا في 14 آيار (مايو) وقرر عدم العودة إلى تونس مطلقاً - على الرغم من الثورة – كي يبدأ حياةً جديدةً في باريس مع زوجته الفرنسية التي تنتظره خارج القضبان. وفي المركز يشعر بالإذلال دائماً.

" تعاملنا الشرطة كما لو كُنَّا حيواناتٍ، كما لو كُنَّا كلاباً. لقد عبَرنا البحر دون جواز سفر، نتفق على هذا، ولكننا لسنا مجرمين، فالكل تقريباً له أقارب أو أصدقاء حيث سيتوجهون للإقامة معهم، لا سيما في فرنسا".

إنه يطالب لنفسه وللآخرين بحرية التنقل والحرية بشكلٍ عامٍ، أن تكون له حرية الاختيار الواعي، لا خاضعاً لأفعال إحدى الحكومات.

"لسنا مراهقين، نحن مسئولين عن أنفسنا. ولا ينبغي على رئيس الوزراء التونسي أن يسمح لنفسه بإبرام اتفاقيات مع الحكومة الإيطالية لترحيلهم، فهو ليس ولي أمرنا، ونحن كبار ولنا الحق في السفر. وأنا لي زوجتي في فرنسا. والشاب الذي تعرض للضرب له زوجته في هولندا. وآخر والده يعيش في إيطاليا منذ فترةٍ طويلةٍ، ويحمل أيضاً الجنسية الإيطالية! فما يجري ليس بالأمر الطبيعي."

ليس فقط غير طبيعي، بل هو أيضاً غير قانوني. قلنا هذا كثيراً حتى بُحَّ صوتنا: لماذا يُنْتَهَكُ القانون ومنذ شهر في لامبيدوزا. فمركز الاستقبال ليس سجناً. ولا يمكن حرمان أي إنسان من الحرية دون حكم قضائي. وهذا ما يحاول المحامون إثباته، ولكن تسير الأمور ببطءٍ شديدٍ. نتوقع أن نرى نتائج الطعون. ربما قبل أن يتدهور الوضع مرةً أخرى ويتحول في النهاية إلى اشتباكات بين المحتجزين ورجال الشرطة، كما حدث في فبراير 2009.

كل هذا - وينبغي ألا يغيب هذا عن البال - يحدث بعدما تم ترحيل 25000 تونسياًّ من الجزيرة منذ بداية العام. تذكرون الأشهر الأولى عندما تُرِكَ مركز الاستقبال بالجزيرة مفتوحاً، كان الشباب يقضون يومهم على الكافتريا أو مشياً في انتظار أن يتم ترحيلهم إلى مستقرٍّ لهم؟ وماذا عن الـ 25000 تونسي؟ ذكرنا هذا: وصل الكثير منهم إلى فرنسا، وآخرون استقروا في إيطاليا، منهم من بَقِيَ عند أقاربٍ لهم، ومنهم من اعتمد على دعم الجمعيات في المنطقة، وحصلوا على تصريح إقامة لمدة ستة أشهر. ثم أخذوا في تطبيق الاتفاق الحالي مع تونس. حتى الآن تم ترحيل 943 تونسياًّ إلى الوطن منذ 5 نيسان (أبريل) الماضي، فضلاً عن أعمال الشغب التي خلفتها في مراكز الترحيل في نصف إيطاليا: حريق "فولبيتا" في تراباني، والهرب من "كينيزيا" وحريق وإضراب عن الطعام في تورينو، والدمار الذي شهدته "جراديسكا"، وأخيراً احتجاجات شفرات الحلاقة في "لامبيدوزا". هنا فمن فرط تضييق الخناق، سيقع ما لا يحمد عقباه.

translated by Mohammad Naguib