تعبُر قوارب مَن لا يحملون جوازات سفر قنال صقلية منذ عشرين سنة، متجهة إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط، ولكن ما يحدث .الآن غير مسبوق
نشهد، منذ بداية هذا العام، مجزرة لا سابق لها، فقد بلغ عدد الوفيات 1408 أشخاص على الأقل. رجال ونساء وأطفال لقوا مصرعهم في
عرض البحر في لامبدوزا خلال خمسة شهور فقط، وتحديداً ومنذ يناير الماضي تم اختفاء عدد من الأشخاص فاق عددهم عدد الوفيات التي سجلت عام 2008، أي العام الذي سبق عمليات التهجير عندما وصل عدد الضحايا إلى 1274 مقابل 36000 هم من وصلوا إلى صقلية. ليس هذا فحسب، فالأشخاص الذين لقوا حتفهم في قنال صقلية و البالغ عددهم 1408 أشخاص يمثلون فقط 93% من إجمالي وفيات العام 2011 خلال الخمسة شهور الأولى في جميع أنحاء البحر المتوسط. كيف نفسر هذه الزيادة الكبيرة في نسبة الوفيات بين الذين يعبرون البحر المتوسط؟
2011 ضحايا قنال صقلية منذ عام 2002 وحتى الخمسة شهور الأولى لعام
|
تحليل هذه البيانات يساعدنا على الفهم: منذ بداية هذا العام، تقاطع في لامبيدوزا طريقان: الأول من تونس، والثاني من ليبيا. وصل عدد المهاجرين منذ بداية العام الحالي 14000 شخصاً من ليبيا، و25000 من تونس. ومن بين الـ 1408 ضحية الذين سجلتهم الشهور الخمسة الأولى
لهذا العام، هناك 187 شخصاً ممن سلكوا طريق تونس، في حين وصل عدد من سلكوا طريق ليبيا 1221 شخصاً. أي أن شخصاً واحداً يلقى مصرعه من بين كل 130 شخصاً على طريق تونس. بينما في ليبيا فإن شخصاً واحداً من بين كل 11 شخصاً يموتون. مما يعني زيادة نسبة الوفيات في الثانية عن الأولى بـ 11 مرة؛ فالأرقام ليست
متساوية، وعدد الضحايا كبير للغاية، ولا يمكن للبحر وحده أن يكون السبب. فقد تدق هذه البيانات ناقوس الخطر؛ حيث لا أحد يستطيع أن يتفصح عن عدد الغرقى الذين لم يتمكن أحد من معرفتهم. فآخرهم اكتشفته أنا منذ يومين بمحض الصدفة عندما كنت أتحدث مع بعض الناجين في إحدى مراكز الاستضافة بشمال إيطاليا.
ليس البحر وحده المسؤول عن الموتى، وإنما أيضاً – بل وبالأخص – الجيش الليبي؛ لأن عمليات التهجير كانت منظمة هذه المرة من قِبَل النظام الحاكم، الذي وعلى عكس المافيا، التي كانت تدير عمليات العبور سابقاً، لا يحتاج سوى أن تبلغ البضاعة التي لا سوق لها في ليبيا إلى الضفة الأخرى. فالمسافرون لا يختارون وسيطاً يثقون فيه، ولكن وببساطة شديدة، يتم القبض عليهم أثناء
عمليات المداهمة التي تقوم بها الشرطة الليبية في الأحياء العشوائية في المدن الليبية، وبالتالي فهم مضطرون للرحيل دون إرادتهم. عبور البحر والحالة هذه، مجاني؛ فالنظام يدفع كل شيء. هذا هو السلاح الأخير الباقي للنظام الليبي: القنابل البشرية. الهدف هو إرسال أكبر عدد ممكن منهم إلى الضفة الشمالية من البحر المتوسط إنتقاماً من الدول الأوروبية. لذا
فعمليات العبور مؤمَّنة. ومن الواضح أن حياة زنجيٍّ في ليبيا لا تساوي شيئاً، ولا سيما في عين الزعيم الأفريقي القذافي.