
تذكرك بذلك الهندسة المعمارية نفسها. بمُجرّد أن ترفع نظرك عن الطرُقات المُمهدة ترى المباني التي يجري بناؤها في كل مكان. يُسيطر لون حجار الخفان الأحمر على الأفق. كل سنة يرتفع طابق جديد. كل طابق لعائلة واحد من الأخوة. حتى في داخلها هناك عناية فائقة من الأثاث الى السجاد. من بلاط الحمام الى التلفزيون. ينما ما يزال الجيران يملكون الماعز والدجاج على الأسطح يلعب أولادهم حفاة فوق أكوام الزبالة على حافّتي الطريق. أو يصطحبون أمهاتهم الى السوق لبيع الدجاج وقصب السكر وليأكلوا الغبار اللذي تسببه سيارات المهاجرين اللذين بزماميرهم يفسحون الطريق وسط الزحمة وعربات البرتقال التي تجُرها الحمير. فهم رمز النجاح. يعرض التلفاز هنا المسلسلات المصرية المصورة في القاهرة. والصحون اللاقطة موجهة الى القنوات العربية الأخرى. الحلم لا يأتي عبر الشاشة الصغيرة. الحلم أصبح واقع, يمشي على الطريق. الهجرة أصبحت القاعدة المطلقة. لم تعد تهاجر فقط الفئة الأكثر بأساً بل الفئة الأكثر طموحاً. عمليات الترحيل من لامبيدوزا اللتي ازدادت في الفترة الأخيرة لم تُقلل من عزم أحد بل شجعت الأصغر سناً على السفر. في العام 2008 فقط وصل أكثر من ألف قاصر من مصر الى لامبيدوزا, ولا يسمح القانون بطردهم. يسعى للهجرة بشكل خاص سكان المناطق الريفية.
تطون, الشرقية, المنوفية, المنصورة. يعتقد (صابر) بأن الإصلاح الزراعي كانت له نتائج مشؤومة اضافةً الى إلغاء المساعدات اللتي أدت إلى الإضرار بصغار المزارعين. إرتفع سعر المتر المربع 30 مرة في عشر سنوات. وأصبحت ثلث الأراضي قابلة للبناء كونها أكثر ربحاً. سياسة غير عاقلة في بلد ما زال يوظف 37% من اليد العاملة في قطاع الزراعة. يزداد الوضع سوءاً بسبب الفساد المتفشي وعدم إهتمام الحكومة بالمناطق الريفية. بلدات بأكملها بدون طرق مُعبدة ولا إضاءة ولا صرف صحي. حتى مهاجرون تطون أنفسهم لا يوفرون إنتقاداتهم للحكومة المصرية. يتحدثون عن دكتاتورية وفساد, يشعرون بأنهم منسيين. كل إحتجاج يتم كبحه بقسوة. كإضراب المحلة الكبرى في أبريل 2008, الذي انتهى بمقتل شخص وباعتقال العشرات. إن كان هذا هو البديل فإن الشباب يفضلون السفر. لماذا عبر البحر؟ بكل بساطة,إنهُ لا يوجد أي طريق شرعية أخرى ممكنة.