سبها- “كان معنا طفل في الرابعة من عمره مع والدته, أثناء السفر كنت أسأل نفسي: كيف يمكن إرسال أم و طفلها مع مئة شخص مكدسين كالحيوانات في شاحنة, بدون هواء وبدون أي مجال للتحرك لمدة 21 ساعة, كان الناس أثناء هذه الرحلة يقضون حاجاتهم أمام الجميع ". مينغيشو لم يكن الشخص الوحيد اللذي تم ترحيله داخل كونتنر. هي قاعدة معتمدة في ليبيا حيث تستخدم شاحنات الكونتنر لتوزيع المهاجرين اللذين يتم توقيفهم أثناء توجههم الى لامبيدوزا. عندما أخبرني أحد اللاجئين الاريتريين بهذا الأمر في ربيع 2006 وجدت صعوبةً في تصديقه. فصورة المئات من الرجال والنساء والأطفال المغلق عليهم داخل علبة حديدية ليتم تجميعهم في مراكز إعتقال كانت تذكرني بشبح الحرب العالمية الثانية. لكن صورة الكونتنر كانت ما يميز كل قصص اللاجيئين الاريتريين اللذين قابلتهم واللذين تم نقلهم من ليبيا. إلى أن رأيت تلك الشاحنات بأم عيني.
نتواجد على أبواب الصحراء الليبية, في سبها, عاصمة منطقة فزّان التاريخية. حتى القرن الماضي, كانت تمر من هنا القوافل اللتي تقطع الصحراء الكبرى. اليوم, استُبدلت القوافل بالمهاجرين. العقيد زرّوق هو مدير مركز الإعتقال في المدينة. اللذي تم افتتاحه في 20 آب / أغسطس الماضي. يستطيع هذا المركز أن يضم 1000 معتقل.في المرآب الأرضي, كانت هناك شاحنة مع كونتنر يستخدم لنقل المهاجرين المعتقلين. وضع المدير يده على كتفي داعياً إياي الى الى الصعود الى القاطرة. شاحنة إيفيكو تراكّر بست عجلات كانت قد عاد من قطرون اللتي تبعد أربع ساعات من هنا. كان على متنها 100 سجين تم توقفهم على الحدود مع النيجر. دخلنا الى الكونتنر من السلم الخلفي. تشعر بالضيق حتى بدون أي شخص داخله و يصعب تخيل, كيف يصبح عندما يتم وضع 100 أو 200 شخص فوق بعضهم البعض داخل علبة الحديد هذه.
من بين المئة مهاجر اللذين تم نقلهم بالأمس في الكونتنر كانت هناك عائلة قادمة من سيكاسّو, في مالي. أب وأم وطفل. تم توقيفهم منذ ثلاثة أيام في غات على الحدود مع الجزائر.قابلناهم في مكتب المدير. يبلغ عمر الصغير ثمانية أعوام كان في الصف الثالث إبتدائي في المدرسة. يضمه والده بحنان بين يديه بينما يخبر مترجمنا بالعربية بأنه لم يكن يريد أن يذهب الى أوروبا. بأنه قد أتى الى سبها لأنه كان يعمل في هذه المدينة في سنة 2002 مع شركة ألمانية . لديهم جوازات سفر لكن لا تحمل تأشيرات دخول ليبية. في المعتقل تم وضعهم في سجون منفصلة. الطفل مع والدته. تظهر أسمائهم على قائمات الطائرات الجاهزة للإنطلاق. في الإحدى عشر شهراً الأوائل من السنة الماضية, من سبها فقط, تم إبعاد أكثر من 9000 شخص ,
معظمهم من نيجيريا, مالي, غانا, السينيغال و بوركينافاسو. فقط في شهر نوفمبر تم ترحيل 1120 الى بلدهم الأصلي. يريني زرّوق لائحة الرحلات: 467 نيجيري تم ترحيلهم في الثاني من سيبتمبر, 420 الى مالي في نوفمبر. ترسل السفارات موظفيها الى هنا للتأكد من هوية مواطينيهم ليتم ترحيلهم فيما بعد. قابل كابيون و أجواس السفارة النيجيرية. كابيون حافي القدمين. أوقفوه في غات و تركوا حذائه في وسط الصحراء. أجواس كان يعيش في طرابلس منذ ست سنوات. أحداً منهم لم يرى قاضي أو محامي. يحدث كل هذا بدون أي إمكانية لتقديم طعن أو تقديم لجوء سياسي على الأقل. يُرمى المعتقلين على حُصر و كراتين داخل زنزانات مساحتها لا تتعدى الثمانية أمتار. يدخل اليها النور من الزجاج في أعلى الجدران. يضم كل قسم 60 – 70 شخص. يستطيعون الخروج فقط لتناول الوجبات, في صالة الطعام. بجانبه كوخ يمكن للمعتقلين أن يبتاعوا منه عصير, حلويات و أدوية داخل أسوار المعتقل.
شركات الطيران اللتي تقوم بالترحيل هي شركات "أفريقيا" و "طيران البراق" الليبية كما يؤكد المدير على أن الأموال, أموال النقل ليبية أيضاً. لكن يصعب تصديقه. فتقرير اللجنة الأوروبية لشهر ديسمبر 2004 كان أفصح عن وجود 47 رحلة مموّلة من إيطاليا. مركز اعتقال سبها ليس المعتقل الوحيد في الجنوب. فهناك خمس مراكز أخرى. وهم في شاطي, قطرون, غات و براك في الجنوب الغربي واللذين يتبعون لمركز سبها حيث يتم نقل المهاحرين الموقوفين في هذه المناطق الى سبها عبر شاحنات كونتنر. أما المعتقل الخامس فيتواجد على 800 كلم في جنوب الشرق, في كفرا, هناك يتم إعتقال اللاجئين الأريتريين والإثيوبيين القادمون من السودان. هو السجن الأسوأ سمعةً بين السجون الليبية. لم يتم السماح لي يالدخول إليه لكي أتأكد بنفسي. إن روايات الكثير من اللاجئين اللتي تتكلم جميعها عن أماكن تعسف وعنف و تعذيب تجعلني أعتقد بصحة هذا الأمر. منذ العام 2003 قامت إيطاليا والإتحاد الأوروبي بتمويل عمليات تهدف الى محاربة الهجرة في ليبيا. السؤال هو : لما يتظاهر الجميع بعدم معرفة ذلك؟