منذ بضعة أسابيع، تأثرت إيطاليا بقصته، عندما تحدثت زوجته، وهي فتاة هولندية تبلغ من العمر 23 سنة، جائت إلى لامبيدوزا لاستعادة زوجها، وهو أيضاً يبلغ من العمر 29 سنة. تعرَّفا منذ عامٍ بجزيرة كوس باليونان: نزار كان يعمل مروجاً سياحياًّ، أما ويني فكانت في إجازة. كان حب من أول نظرة، عقبه زواجٌ خاطفٌ. احتفلا به على الجزيرة في 26 سبتمبر الماضي. ثم انتقلا إلى تونس. وعندما اندلعت أولى أعمال الشغب، اضطرت ويني لمغادرة البلاد، بينما لم يتمكن الزوج من مغادرة البلاد، وفي النهاية قرر الذهاب إلى لامبيدوزا على متن أحد القوارب. ولكن تحول حلم الحب إلى كابوس. قام أمس رجال الشرطة في مركز استقبال لامبيدوزا بضربه حتى سالت دمائه، ثم بعد ذلك قاموا بإلقاء القبض عليه. وهو الشخص الوحيد الذي تم إلقاء القبض عليه بعد مصادمات عنيفة وقعت بين المحتجزين التونسيين وقوات الأمن. الاعتداء العلني بالضرب. هذا ما كنا نقوله منذ أيام. أن حدة التوتر داخل مركز استقبال لامبيدوزا – الذي تحول منذ 2 مايو إلى مركز احتجاز – ارتفعت بشكلٍ ينذر بالخطر. وأنه قريباً ستندلع انتفاضة جديدة. وقد كان
عم الاستياء منذ الصباح عندما تم نقل المحتجزين الأفارقة على متن إحدى السفن لجلبهم إلى مراكز الاستقبال المنتشرة بشبه الجزيرة. لكن الشرارة التي أشعلت النفوس هو طرد بعض الصحفيين الذين كانوا قد اقتربوا في فترة الظهيرة من المركز لالتقاط بعض الصور. طلبت منهم قوات الأمن الابتعاد. وعندما رأى المحتجزون المشهد، احتجوا بشكلٍ صاخبٍ. صعد البعض إلى الأسطح، والبعض الآخر كتب على لافتات "الحرية"، وفي صوتٍ واحدٍ صاح الجميع: "النجدة! الحرية!". ثم بعد ذلك حاولوا تجاوز السياج المحيط بالمركز، إلا أن قوات الأمن قابلتهم من الخارج لإلقاء القبض عليهم مرة أخرى. عقب ذلك وقعت اشتباكات عنيفة نتج عنها تحطم سيارة. وفي نهاية الصدامات، سقط عدد من الجرحى سواء بين ضباط وأفراد الشرطة والمحتجزين. وأصيب أحد رجال الشرطة في أنفه بعد أن ألقي حجر في وجهه. مَن قام بإلقاء الحجر وسط المعمعة – وفقاً للتحقيقات الأولية للشرطة – هو نزار. وقد دفع ثمن هذه الفعلة ضرباً مبرحاً. هذا ما أكده لنا اثنان من الشهود العيان
أمس، كان نزار هو الآخر ضمن الصفوف الأولى للمحتجين، وهو يفكر في زوجته والطفل الذي تحمله في بطنها واللذان ينتظرانه خارج القفص منذ ثلاثة أسابيع. قال بعض المحتجزين أنهم رأوه يقذف أشياءً ضد عناصر الشرطة. ولكن هذا لا يفسر الغضب الموجَّه ضده. أحاطه رجال الشرطة وقاموا بضربه، وركله، ولكمه، وضربه بالعصي. وقال لنا أحد شهود العيان: "أخذوه بعد أن تحطمت رأسه، وأصبح وجهه مغطى بالدماء". لم يُضْرَب أي شخص مثله. وفي النهاية، أخذوه إلى مقر الشرطة، ثم لم يتمكن أحد من معرفة أيَّ شيءٍ عنه. وفي هذا الصباح، أتوا لأخذ أمتعته القليلة من غرفته، واقتادوه بعيداً. يبدو أنه تم إلقاء القبض عليهم. لحسن الحظ، يتابع قضيته محامٍ جيدٍ يبقينا على اطلاع دائم بشأن حالته
وفي الوقت نفسه، لا توجد أية أنباء عن احتمال نقل المحتجزين التونسيين إلى لامبيدوزا. وهذا يعني أن هناك احتمال اندلاع انتفاضة أخرى مشابهة لانتفاضة أمس. لاتزال حدة التوتر مرتفعة. الوزير ماروني أو مَن يدَّعي أن ضربات العصي أو الأدوية المهدئة هما الحل لقمع طلب الحرية المشروع لمائتي شاب لم يرتكبوا أية جريمة، إلا أنهم محتجزون منذ 25 يوماً داخل قفص، كل هذا يحدث – ولن ننفك نكررها – دون أن يقضي قاضٍ واحدٍ باحتجازهم، كما يقتضي القانون! ومما لا شك فيه أن القانون ينص على الاستضافة وليس الاحتجاز. ماذا ينتظر البرلمانيون للتحقيق في هذه القضية؟ ماذ ينتظر المحامون لرفع دعاوى؟ ماذا ينتظر الإيطاليون للقيام باحتجاجات مناهضة لاحتجاز هؤلاء الشباب وتجريدهم من حريتهم؟
وأيضاً لهذا السبب نُصِرُّ على سرد هذه القصص. فنحن بحاجة لمُخَيِّلَة جديدة. نحن بحاجة إلى إيطاليا قادرة على السخط ضد احتجاز أي شخص لارتكابه جريمة السفر. Indignez vous هكذا قال عجوز فرنسي. بالنسبة لنزار وزوجته وطفليهما، لماذا لايزال في أوروبا – ونحن في عام 2011 – قوانين تمنع أب من العيش مع المرأة التي يحبها وطفله. هل نحن مدركين لكل هذا العنف المؤسسي؟
بجواز سفر الاتحاد الأوروبي ذي اللون الأحمر، نستطيع أن نجوب العالم بأسره، ونلقى كل الترحيب. لكن السفر بجواز السفر التونسي ذي اللون الأخضر جريمة. وإذا تمكنت من بلوغ وجهتك، تعيش كالمطارَد. تعيش كالثلاثة شباب الذين فرُّوا قبل يومين من مركز كينيزيا لتحديد الهوية والترحيل (Tr). وبعد أن وجدوا أنفسهم في الريف، لم يعرفوا ماذا ينبغي عليهم فعله. أصيب أحدهم خلال الهروب، بعد أن جرحته الأسلاك الشائكة. ولكنهم كانوا خائفين من الذهاب إلى نقطة الإسعافات الأولية. الخوف من إلقاء القبض عليهم. لم يكن بوسعهم سوى الاتصال بصديقة لهم في فرنسا. ومن خلال تبادل أطراف الحديث، تمكنا من توصيلهم إلى أحد أقاربهم في إحدى المدن الإيطالية الأخرى. هناك، سيتعافى الشاب ويستأنف رحلته، وذلك بفضل إيطاليا أخرى، إيطاليا ترفض الأقفاص، إيطاليا لا تطرد، ولا تُوسِع من يطلب الحرية ضرباً بالعصي. إيطاليا التي ترحب وتُحْسِنُ الاستضافة. إيطاليا بلد الجمعيات التطوعية والمؤسسات المجتمعية. إيطاليا في خطر الانقراض
عموماً، رحلة سعيدة للثلاثة شباب الهاربين من كينيزيا. ونصيحة واحدة فقط: لا تتركونا وحدنا مع الإيطاليين
ترجمة: محمد نجيب سالم