16 July 2011

أخبار الوحشية المعتادة بمركز تحديد الهوية والترحيل بروما


كانت المرة الأخيرة التي دخلوا فيها إلى مركز تحديد الهوية والترحيل بروما منذ أسبوع. كان هذا في السادسة صباحاً. كان هناك ما يقرب من عشرين ضابطاً، منهم مَن يرتدي الزي العسكري ويمسك بالهراوات، ومنهم مَن يرتدي الزي المدني. وهناك كان ينام "رضا" تحت تأثير الأدوية النفسية التي كان يتناولها كل مساء ليتخلص من الأفكار السيئة. كان قد وصل إلى لامبيدوزا قبل هذا فقط بشهرين، ومن إيطاليا لم يزر سوى السجون: مركز الاستقبال في لامبيدوزا، ثم مركز الاستقبال في بونتيه جاليريا، ثم مركز تحديد الهوية والطرد بروما. فتح عينيه فقط عندما أنهضوه بالقوة من فراشه، رافعينه من ذراعيه. بدأ في الصراخ. فاستيقظ كل من كانوا بالحجرة، إلا اللبناني الذي يعاني من الحرق. ولكن - وقبل أن ينطق أحدهم بشيء - أمر رجال الشرطة بأن يبقى كل منهم في فراشه. عشرون في مواجه ستة، الهراوات في مواجهة العزل، لم يستطع أحد أن يتفوه بكلمةٍ واحدةٍ، فقط بقوا ليشاهدوا، بينما كان الشرطيون يخرجون "رضا" هكذا مثلما وجدوه في فراشه: في سرواله القصير وبصدره العاري. دون أن يتركوه حتى للذهاب إلى الحمام لغسل وجهه وقضاء حاجته. بقية المشهد شاهده زملائه بالزنزانة من النوافذ، في الفناء. يحكي إبراهيم: "لقد قيدوه مثل الدجاج، بحبلٍ من ساقيه، وآخر من معصميه، وذراعيه مُقَيَّدَان خلف ظهره. ولكي لا يصرخ ربطوا له خرقة على فمه، وحملوه. هكذا يتعاملون بمركز تحديد الهوية والترحيل بروما، وبغيره. الوجهة تقع على بعد أميال قليلة: مطار فيوميتشينو. إنها رحلات خطوط الطيران: يسمحون أولاً للركاب بالصعود، ثم تكدس الشرطة في الدقيقة الأخيرة السجناء الراغبين في ترحيلهم. بلغ عددهم ذلك اليوم عشريناً، وكانوا جميعاً تونسيين. أما الوجهة فكانت باليرمو، للقيام بعمليات تحديد الهوية التي يتم تنفيذها عادةً في القنصلية التونسية، وفي المطار مباشرةً. ومن هناك تبدأ الرحلة إلى تونس. المشهد يتذكره إبراهيم جيداً. ومن وقتٍ لآخر يحلم به أيضاً ليلاً


"نحلم كلنا بأحلامٍ سيئةٍ، نعيش في خوفٍ من العودة إلى وطننا ولكوننا لا نعرف ما هو مصيرنا". في الوقت الحالي يبلغ عدد المحتجزين بمركز تحديد الهوية والترحيل في روما حوالي 200 محتجزاً، و50 محتجزةً، بينهم حوالي 70 تونسياًّ ما بين رجلٍ وامرأةٍ. كانوا جميعاً قد وصلوا إلى لامبيدوزا خلال الشهور الماضية. منهم من يريد العودة إلى وطنه، آملاً في الحرية، ومنهم من لا يريد العودة بأي ثمن. وكلهم يرى بقوةٍ أنه ليس من العدل إضاعة 6 أشهر من حريتهم محتجزين داخل سجن، دون أن يرتكبوا أي جريمة. ولا سيما من قضى وقتاً ليس بالقليل بالفعل من حياته داخل السجون

إبراهيم واحدٌ منهم. له سابقة لترويجه المخدرات. دفع الثمن ثلاث سنوات وستة أشهر في السجن. وتم الإفراج عنه منذ شهر، ولكن عند خروجه من السجن، وجدهم ينتظرونه بالأغلال لنقله إلى سجنٍ آخر، حيث ينتهي به المطاف دون إدانات جنائية، فقط لأن أوراقه أصبحت منتهية الصلاحية. والآن هناك ستة أشهر أخرى، وإذا وافق مجلس الشيوخ على القانون الترحيل، سيكون هناك 18 شهراً إضافي، للكشف عن هويته وترحيله. وهو يعيش الآن في إيطاليا منذ 8 سنوات. وفي السجن حصل على ثلاث دبلومات في التدريب المهني، وعمل طوال فترة احتجازه. وكان على استعداد لإقامة حياة جديدة، ولكنه الآن يواجه عقوبةً إضافيةً. يقول: "في السجن تدفع ثمن جريمة فعلتها. وهذا طبيعيٌّ وعدلٌ، فمن يخطيء يدفع الثمن. ولكننا جميعاً هنا أبرياء، لم يرتكب أحد أي جريمة، فلماذا لا يفرجون عنا؟"

الآن وبعد أن جرب كلا من السجن ومراكز تحديد الهوية والترحيل، لم يصبح لديه شك في أن السجن هو أفضل بمئات المرات. "في السجن لدينا عمل، ومدرسة، ومكتبة، وطبيب، وأخصائي اجتماعي. أما هنا فلا يوجد شيء. نحن في السجن من الصباح حتى المساء. يعاملوننا بدون احترام. العاملون وأفراد الشرطة على حدٍّ سواء لا يرُدُّون حتى تحيتك. لابد أن تصطف في طابورٍ لتأكل، وإذا جئت متأخراً، لا يسمحون لك حتى بالإفطار. إذا ارتفع صوتك يأخذونك جانباً، ويضربونك بالهراوات، كما لو كنا أعدائهم"

بينما كان يحدثني على الهاتف، كان في السرير المجاور يرقد اللبناني مستغرقاً في النوم. لم يبق له شيءٌ آخر يفعله. فالحروق تغطي نصف جسده. يستيقظ كل صباح مليئاً بالآلام ليذهب إلى المستوصف، ويعود وعينيه بالكاد نصف مفتوحة وصوتٌ مبحوحٌ من أثر الأدوية النفسية والمسكنات، ثم يخلد من جديد إلى النوم. يستيقظ فقط في الليل، عندما يحلم بكابوس، أو يحلم مرةً أخرى بملابسه وهي تأكلها النيران، أو عندما يتبرز في ملابسه. فهو بحاجةٍ لمزيد من العناية، ولكنهم لا يحملونه إلى المستشفى. وفي الغالب هم ينتظرون حتى يبرأ كي يقوموا بترحيله. فهو ممن يعيشون في إيطاليا منذ وقتٍ طويلٍ

وقد وصل إلى مركز تحديد الهوية والترحيل بروما في كانون الثاني/يناير الماضي، بعد أن أوقفته الشرطة في الشارع لفحص مستنداته، عندما طلبوا منه أن يأخذوا بصمات يديه، ورفض رفضاً قاطعاً، فكانت ضربة في رأسه ألمته كثيراً. في البداية كانت التهديدات، ثم الضرب ورد فعله، ثم الضرب والاعتقال. وعلى الرغم من الكدمات التي كان يعانيها، إلا أن القاضي الذي حاكمه قضى عليه بالسجن لمدة ستة أشهر. لأن أطباء المركز الطبي لم يصدروا له أي شهادة تذكر الجروح التي أصيب بها أثناء القبض عليه. وعاد إلى بونتيه جاليريا فقط منذ شهر ونصف تقريباً، بعد أن أمضى أربعة أشهر في السجن. كان ذلك في بداية حزيران/يونيو. كان ذلك بداية لمأساة جديدة

حدث كل ذلك في مساء يوم 18 حزيران/يونيو. كان التوتر قد بلغ غايته. نهض قسم الرجال، وأخذ المحتجزون في تخريب المركز، يكسرون كل ما يمكن تكسيره، ويشعلون النيران بالفُرُش والملاءات وكل شيء قابل للإشتعال. وفي هذه الأثناء جذب من بين قضبان السجن الحديدية أحد العاملين بالهيئة المسئولة عن إدارة المركز "أوكسيليوم"، جذَب اللبنابي، ليطلب منه أن يحمل إليه الحقيبة التي كان قد سرقها بعض السجناء أثناء حركة التمرد. وبحسن نية، وبقليلٍ من الذكاء، وافق اللبناني، ولكن عندما رآه السجناء المتمردون يتحدث إلى العاملين وأفراد الشرطة، فكروا في الخيانة، وانهالوا عليه بالضرب، وقذفوه فوق فراشٍ مشتعلٍ. وهكذا احترق نصف جسده. ومَن أنقذه تلك الليلة كان إبراهيم، وتونسيٌّ آخر من القسم، واللذان أطفآ النيران وأتيا به إلى المستوصف

لم تره خطيبته بعد في الحالة التي وصل إليها. إنه حُمل إلى السجن بهويةٍ أسبانيةٍ. وجاءت إلى السجن لزيارته مرةً واحدةً فقط منذ أكثر من شهر. إنها العلاقة الوحيدة التي تربطه بالعالم الخارجي وبالحياة التي مضت. تلك الحياة التي انهارت بسبب الأدوية النفسية، وبسبب ضرب الشرطيين، وبسبب الحروق التي شوهته، والإهانات اليومية، وقبل كل شيء، بسبب عقوبة التحقق من المستندات التي شهدها كانون الثاني/يناير الماضي

إبراهيم، واللبناني، ورضا: لا يمكن لقصصهم أن تخترق الشاشة. سواء لأن وزارة الداخلية قد حظرت دخول الصحافة في نيسان/أبريل الماضي إلى مراكز تحديد الهوية والترحيل، أو لأن المجتمع بأكمله قد أثار المشكلة: حيث أنهم يشعرون أن كل من هم داخل هذه المراكز مذنبون فحسب

وحول الإجابة على السؤال: لماذا لا تتمردون، يقولون: "لقد فعلناها، لكنه شيء غير مجدٍ، ومنذ أن دخلنا إلى هنا قمنا بعمل إضراب عن الطعام لثلاثة أيام، ولم يتحدث عنه أحد. أحرقنا المركز ولم يتحدث أيضاً عن ذلك أحد، صعدنا أعلى الأسطح بأوراق عليها شعارات، ولم يتحدث عن ذلك أحد، باستثناء محطة الإذاعة "أوندا روسَّا".
إذاً فيم يفيد؟"

ربما يكون يوم 25 تموز/يوليو موعداً للبدء من جديد. حيث سيزور مجموعة من البرلمانيين مراكز مختلفة في جميع أنحاء إيطاليا. وذلك بهدف كسر حاجز الصمت حول مراكز تحديد الهوية والترحيل. في ذلك اليوم، لن نتركهم وحدهم. الصحفيون والجمعيات والمواطنون الأحرار، الجميع سينضم إليهم في حملة: "دعونا ندخل

لأسبابٍ تتعلق بالخصوصية والأمن، استخدمنا أسماءً مستعارةً لأبطال هذه القصة، التي تم جمعها من خلال اتصال هاتفي مع أحد السجناء بمركز تحديد الهوية والترحيل في روما، وسجلت في 15 تموز/يوليو 2011

ترجمة: محمد نجيب سالم