27 May 2011

يد الرئيس وراء إقصائهم إلى إيطاليا


"كانوا يُصَوِّبون بنادق الكلاشينكوف خلف ظهورنا. لم نتمكن من طرح أية أسئلة. صعدنا إلى الحاوية دون أن ندري إلى أين يقتادوننا." ألقى جنود القذافي القبض عليهم في الأحياء الأفريقية بطرابلس، وأجبروهم بالقوة على الصعود على متن القوارب والإبحار إلى لامبيدوزا. التذكرة مجانية، يوفرها النظام. بعيداً عن الأمل الكبير الذي يراوض الكثيرين خلال هذه الرحلات، فإن عمليات عبور البحر المتوسط تتشابه كثيراً مع عمليات إقصاء جماعية من ليبيا للأفارقة. قوات القذافي المسلحة هي من تقوم بتنظيم عمليات الإقصاء الجماعية للأفارقة بطريقة منهجية. لقد تم وضع نظام أدى إلى إقصاء 14 ألف شخص إلى إيطاليا خلال ثلاثة أشهر. الفكرة بسيطة: استخدام أجساد الرجال، والنساء، والأطفال كانتقام واضح لعمليات القصف التي تتعرض لها ليبيا. وهناك تفاصيل تقشعر لها الأبدان، وتوضح الكثير في العلاقات بين إيطاليا وليبيا. الحاويات التي تم استخدامها في عمليات الإقصاء هي تلك التي كانت إيطاليا قد قدمتها للعقيد في أوقات عمليات الطرد. في البداية، استخدم الليبيون هذه الشاحنات في ترحيل الأفارقة – الذين حاولوا عبور البحر بصورة غير شرعية – إلى أفريقيا. اليوم، ما تفعله السلطات الليبية هو عكس اتجاه ترحيل الأفارقة. فبدلاً من ترحيلهم جنوباً ناحية الصحراء، يقومون بإقصائهم إلى إيطاليا.


كينغسلي هو أحد أفراد المجتمع الكاميروني في مصراتة. عايش الحصار، وظل - لأسابيع – محاصراً داخل إحدى الأحياء التي كانت مسرحاً لاشتباكاتٍ عنيفةٍ بين عناصر الجيش والمتمردين. كانوا يطلقون النار كل ليلة، وعندما كان يتوقف القتال، كانت الأمور تزداد سوءاً؛ ذلك لأن عناصر الجيش المخمورين كانوا يأتون لأخذ النساء. لم يفكر كينغسلي أبداً بالرحيل إلى إيطاليا. كان يريد أن ينقذ نفسه وأسرته. ولكنه اتخذ من مصر ملاذاً آمناً له. كان قد حاول الذهاب إليها مرتين. ولكن كانت دائماً قوات القذافي تعترض طريقه، هذه القوات التي قامت في ليلة 26 مارس بتنظيم عملية إقصاء أفارقة مصراتة.

"كنا ضمن أول من تم إلقاء القبض عليهم. في البداية كان عددنا قليل داخل الحاوية. ثم – شيئاً فشيئاً - كان يصعد أشخاص آخرون. وفي النهاية كان عددنا لا يقل عن 200 شخصٍ. محتجزون في الظلام. أقدامنا متشابكة ببعضها. كان الجو حاراًّ، وكانت هناك رائحة كريهة في الهواء، وكان الأطفال يبكون."

في تلك الليلة، غادرَت المدينة قافلة بأكملها. وأثناء التوقف في الصحراء، أحصى كينغسلي عدد وسائل النقل المستخدمة في عملية إقصائهم. ثلاث شاحنات حاويات، في حراسة ثلاث مدرعات جيب خاصة بالجيش، بالإضافة إلى ثلاث عربات مخصصة للسير في الطرق الوعرة، مزودة بأجهزة للاتصالات اللاسلكية، وعليها أعلام القذافي الخضراء تحركها الريح. ما لا يقل عن 500 شخص، تم أخذهم جميعاً عنوةً من منازلهم. امتدت القافلة على طول الطريق. لحقت شاحنتان بالقافلة في طرابلس، وثالثة في صبراتة. وهكذا، بمجرد بلوغ القافلة وجهتها النهائية، أحصى كينغسلي ست شاحنات. ما لا يقل عن 900 شخص تم إنزالهم بسرعة من الحاويات، ثم احتجازهم في منطقة تخضع لسيطرة الجيش.

"مكثنا هناك لمدة شهر وخمسة أيام داخل منزلٍ قديمٍ ومتهالكٍ، خارج مدينة زوارة. كانت عناصر الجيش تملأ المكان. على أذرعهم، كانت هناك شارة خضراء، إنهم عناصر جيش القذافي. أنا متأكد. بالداخل، كان عددنا حوالي 1500 شخصاً، وكان هناك الكثير من الأطفال. لا يمكنني أن أحدثك عن مدى الاتساخ الذي كان يحيط بنا. كل يوم، كانت تصل شاحنات جديدة، وتغادر أخرى. وهناك أدركنا أننا ذاهبون إلى إيطاليا. يوماً ما، اقتادونا – ليلاً – إلى ميناء زوارة. ولكن كان علينا أن ننتظر بزوغ الفجر حتى نرحل؛ نظراً لأن طائرات حلف شمال الأطلسي كانت تحلق فوق المدينة. أمرَتنا عناصر الجيش بالتخفي. وفي اليوم التالي، قاموا بتقسيمنا: قاموا بوضع 320 شخصاً في مركب، و280 شخصاً في مركبٍ آخَر. كنا خائفين من الموت في عرض البحر، ولكن لم يكن لدينا خيار، فبنادقهم كانت مُصَوَّبَةً خلف ظهورنا".

ذاك اليوم كان السابع والعشرين من نيسان (أبريل). بعد مرور أربع وعشرين ساعة، أبحرت سفينة ثالثة على متنها 350 راكباً من ميناء جنزور بطرابلس. بينهم كان هناك روبي - وهو غاني يعيش في طرابلس - وزوجته وطفل يبلغ من العمر 13 شهراً.

"لم نكن نريد الذهاب إلى أوروبا. إني أرتعد خوفاً من البحر. أرسلونا هناك بالقوة. إنها عناصر جيش القذافي، يمكنك التعرف عليهم من خلال العلم الأخضر، أنا متأكد. كان الأمر خطيراً جداً، كانوا مسلحين، وصلوا إلى المنزل، وأجبرونا على الصعود إلى شاحنة. وضعونا داخل حاوية، تماماً مثل تلك التي تستخدم في سفن البضائع."

يقع ميناء جنزور في الضاحية الغربية لمدينة طرابلس. وإضافةً إلى ميناء زوارة، فهو إحدى الموانيء الرئيسية المستخدمة من قبل النظام الليبي في عمليات الإقصاء. وكما هو الحال في زوارة، يوجد أيضاً في جنزور منطقة يتم فيها – تحت رقابة شديدة من قبل عناصر جيش القذافي - احتجاز الأفارقة الذين سيتم ترحيلهم إلى إيطاليا.

أمضى لازهار هناك أسبوعين وثلاثة أيام. هو من ساحل العاج، وكان يعيش في مصراتة مع زوجته وطفل عمره ثلاثة أعوام. في 6 نيسان (أبريل)، تمكن الثلاثة من الفرار من المدينة الواقعة تحت الحصار، حين قاموا باستئجار سائق ليبي أوصلهم إلى المركز التاريخي لمدينة طرابلس، في المدينة القديمة. ومن هناك - وبعد بضعة أيام - استقلوا سيارة أجرة إلى المطار، حيث أخبروهم أن بالمطار توجد حافلات تتوجه مباشرةً إلى الحدود التونسية لإجلاء النازحين. إلا أن سائق السيارة الأجرة - دون أن يقول لهم أي شيء – اقتادهم مباشرةً إلى جنزور.

"المنطقة التي يحتجزون فيها الأفارقة مجاورة للميناء. يسمونها ساباعتاش، أو المنطقة رقم 17. تشاجرْتُ مع سائق التاكسي، كنت أريد الذهاب إلى المطار، ولكن لم يكن هناك أي وسيلة لجعله يرجع عما كان برأسه. لم يكن لدي أي نية للقدوم إلى أوروبا، لأن الذهاب إلى أوروبا يستلزم التأشيرة على جواز السفر، لا يمكنك الدخول إلى أوروبا هكذا! حقاًّ لم أفكر طيلة حياتي في هذا الأمر. كل ما كان يجول برأسي هو أن أعمل كثيراً حتى أتمكن من إرسال ابني إلى المدرسة كي يتعلم. ولكن في النهاية كان علينا أن نفعل ما كانت تقوله عناصر جيش القذافي. لذا، دخلنا إلى منطقة احتجاز الأفارقة، حيث وجدنا مئات الأشخاص تم الزج بهم في هذه المنطقة من جميع أنحاء ليبيا."


تحرك قاربه في 27 نيسان (أبريل) في تمام الخامسة صباحاً، وعلى متنه 503 شخصاً. وقبل أن يبحر القارب، أخبرَته عناصر جيش القذافي – وهم يمزحون – أن القذافي هو مَن أمر بإقصاء كل الأفارقة إلى إيطاليا دون أن يدفعوا شيئاً. وحقيقةً، لم يدفع لازهار وزوجته وطفليهما سِنتاً واحداً، تماماً كما لم تدفع أسرة كينغسلي وأسرة روبي شيئاً. لفتة أخيرة تُعَبِّرُ عن شهامة العقيد. يدفع النظام لهؤلاء كي
يموتوا في عرض البحر.

translated by Mohammad Naguib