24 December 2011

خاص بالموسيقى وحراقة: مَشَوا


الموسيقى وحراقة. أغنية أخرى. هذه المرة تونسية. الأغنية من إنتاج 2010، غناء بالطي وسمير لوصيف. بالطي – الذي يبلغ من العمر 29 سنة – هو أحد أقوى مغني الراب في ميدان تونس. بينما ينتمي سمير إلى التنوع والأغنية الشعبية، ولا سيما المزود. أثمر تعاونهما معاً أغنية "مَشَوا"، والتي تعني بالإيطالية: "ذهبوا". الشباب ذهبوا. شباب تونس. لكنهم ليسوا أبناء الطبقة البرجوازية ولا الطبقة الوسطى. وإنما شباب "ترعرع في الأحياء الشعبية". أولئك الذين درسوا في الأحياء الشعبية، ثملوا، وشبعوا من البطالة والفقر. إلى أن "شهدوا عودة أصدقاء عمرهم من إيطاليا". فقرروا هم أيضاً المجازفة بكل شيء والانضمام إلى حراقة. فحرق الحدود بات السبيل الوحيد لـ "ملء الجيوب" و"إسعاد الأمهات". نفس الأمهات اللائي "ينتظرن أبنائهن الآن أمام أبواب بيوتهن". نفس الأمهات اللائي "يشعرن بالخوف" بعد أن شاهدوا في نشرة الأخبار صور الشباب الذي لقي حتفه في البحر. "شباب مات مبكراً جداًّ". وهذا يؤكد كون أوروبا مجرد "خدعة" "تسمح لك بالثراء، ولكنها تعجز أن تشتري لك حياة". وبالتالي فإن حلم المغامرة ومساندة الأسرة يتلاشى ليفسح المجال للدموع. دموع الأمهات اللائي "يبكين معتقدين أن الابن قد عاد" ودموع الآباء الذين "يبحثون عن أبنائهم في المستشفيات والسجون". فـ "البحر يحملك حيث تريد، أما الموج فقد يخدعك: إما أن يحملك حيث تريد، وإما أن يسوقك إلى قبرك". نص كهذا لم يمكن له أن يكون أكثر معاصرةً من هذا. لأن أكثر الأعوام مأساويةً بالنسبة للشباب التونسي كان عام 2011، والذي شهد موت مئات الشباب أثناء محاولتهم عبور قناة صقلية لبلوغ أوروبا

ومن ثم، باسم ذكراهم، نتمنى لكم الاستمتاع بهذه الأغنيات. وقراءة ممتعة، ففيما يلي نسوق لكم الترجمة الإيطالية للنص العربي. فلنقم بوضع دائرة حول هذه الملحوظات وتلك الكلمات، التي من الممكن أن تساعدنا – أكثر من ألف إحصائية – على فهم تطلعات شباب بحرنا المتوسط الحبيب

- سمير لوصيف. نظرت إلى السماء وبكيت
- بالطي: مَن أبكونا راحوا بين الأمواج
- س.ل. رفعت يدي إلى خالقي وسيدي، ألمني غيابك يا عزيزي
- ب. فقدناهم، ذهبوا دون عودة
- س.ل. تركتني أعاني، أخبرني يا عزيزي في أي مكانٍ بعيدٍ أنت؟
- ب. الأم تبكي، ظانةً أن الابن قد عاد
- س.ل. أسعِد قلبي، دون الحاجة إلى العودة
- ب. تخيل الذكريات بدون دموع
- س.ل. بدونك حياتي ليس لها معنى.

- بالطي: رحلوا بعيداً،
بعيداً عن الأب والأم.
رحلوا في مركبٍ قذفته الأمواج
ومع كل موجة قلبي يدق
وتحجب رؤيتي،
وتحتي البحر وفوقي الغيوم والليل المظلم.
تركوا وراءهم قلوب منفطرة
والناس لم تعد تعرف أي شيء.
تخاف الأم إذا كان قد أكل ابنها أم لا،
ولا تدري أن اليوم ابنها بين الحياة والموت،
هل وطأت قدماه الأرض، أم التهمته الأسماك.
بات الحي والبيت مجرد صور وذكريات
هناك من أرسل شيئاً ما لأخوته، وهناك من مات. باعوا أنفسهم من أجل شيءٍ رخيص
واشتروا الموت بثمنٍ غالٍ.
القلب ينفطر على هؤلاء الشباب الذين ضحوا بأنفسهم ورحلوا للأبد.
الأم قلقة
والأب يبحث عن أبنائه
في الأحياء والمستشفيات والسجون.
لا يدري أن اليوم ابنه بين براثن الأمواج،
تجرع البطالة والفقر منذ أن خرج من المدرسة.
تربوا في الأحياء الشعبية،
هناك نشئوا، ودرسوا، وثملوا،
هناك مرضوا وبرئوا،
وهناك شهدوا عودة أصدقاء الحي من إيطاليا:
مَن عاد مطروداً، ومَن عاد وجيوبه ممتلئة.
يريدون أن يجربوا عيشة الأغنياء،
يريدون أن يجلبوا ما جلبه الآخرون،
يريدون إسعاد أمهاتهم،
يريدون ملء جيوبهم.
إنهم مقتنعون أن حراقة هي الحل،
مستعدون للمخاطرة بكل شيء
وإذا تمكنوا من الوصول، انتظروا فقط مكالمة هاتفية

- سمير لوصيف: نظرت إلى السماء وبكيت،
مددت يدي إلى خالقي وسيدي،
ألمني رحيلك يا عزيزي،
تركتني أعاني في صمت.
أخبرني يا عزيزي إلى أي مكانٍ ذهبت؟
أسعد قلبي، دون أن ترجع
بدونك لم يعد لحياتي معنى.


- بالطي: أمك تنتظر أمام باب المنزل.
منذ أن تابعت في نشرة الأخبار موت الحراقة، وهي خائفة:
"هل سيكون ابني بين الأموات أم بين الناجين؟"
كم زرفت من الدموع
على كل روح ذهبت؟
ضغط كبير، ودموع لا تتوقف، ومعاناة بلا حدود!
البحر يحملك حيث تريد، أما الموج فقد يخدعك.
فإما أن يحملك حيث تريد، وإما أن يسوقك إلى قبرك،
إما أن يحمل أخبارك، وإما لا.
تريد أن تكسي أمك بثيابٍ من أوروبا
لكن أوروبا مجرد خدعة.
اليورو يجعلك غنياًّ، ولكنه لا يمكنه شراء حياة.
جمعتَ آلاف الأموال كي تشتري لنفسك الموت.
لا أعتقد أنك ستكون سعيداً وأنت ترى بكاء من أحبك.
وصل الكثيرون،
لكن آخرين رحلوا ولم يعودا.
مَن وصل، أسعد أمه
ومَن لم يصل، ترك فقط الدموع.
تبحث عن الرفاهية،
تريد أن تسعد أمك وتكسي إخوتك،
لكن لا شيء يمكن أن يغير ما خططته.
ابتلع البحر قوارب وأشخاص
كما ابتلع فرعون.
غداً سترحل، ولكن مَن يدري إذا كانت قدمك ستطأ اليابسة أم لا
أم سيقام عزاؤك، أم ستكون وجبة للأسماك. تخيل والديك بعد أن يعرفوا بالخبر،
تخيل أن لديك ابن يرمي بنفسه في الخطر، وستشعر مثلما يشعر به والداك.
الحياة والموت بيد الله
وبيده روحك أيضاً

- سمير لوصيف: كذَّبْتُ مَن كان يحدثني عنك
ويخبرني: "ابنك ضاع بين الأمواج".
مستعد أن أضحي بحياتي من أجلك
فقط إذا أخبرني أحدهم: ''ابنك قادم''.
أصبر، وأقول "إن شاء الله سيعود".
حتى وإن كانت الحدود تفصل بيننا،
أحيانا تملأ المعاناة قلبي

- بالطي: رحلوا بعيداً، إلى الخطر
رحلوا والبحر من أسفلهم، والسماء والمطر من فوقهم
رحلوا حيث أرادت الأمواج،
حيث هناك الموت،
رحلوا حيث انقطعت أخبارهم
رحلوا وكانوا لا يزالوا صغاراً،
رحلوا على متن قارب في البحر
رحلوا حيث توقفت الحياة،
رحلوا حيث تلتهم الأسماك،
رحلوا حيث تبكي الأمهات،
حيث توجد الحياة والموت