18 December 2011

خاص بالموسيقى وحراقة: سردينيا حراقة



اسمه عز الدين نبيلي، عزو كما يلقبوه كفنان. كوَّن مع إسماعيل ودجي بدري فرقة هوود كيلير للراب الموجودة على ساحة الراب الجزائري منذ 1998. حراقة هي إحدى أحدث أغنياتهم، وهي مهداة إلى شباب أحياء عنابة الشعبية الذين رحلوا خلال الخمسة أعوام السابقة إلى سردينيا. هذه الأغنية رحلة، "رحلة إلى سردينيا". هكذا يقول عزو في نص الأغنية: "تعال لأحكي لك لِمَ لَمْ يطيقوا البقاء". بالداخل يوجد كل شيء. عذاب الحياة بلا خطط مستقبلية، واختيار لا مفر منه بحرق الحدود. "قدري هو القارب، ولكني أرحل على مضض، سامحني يا أمي، سامحني يا أبي، أحبك يا بلدي لكن الله قدر لي". باقي الأغنية بمثابة ريبروتاج. تنظيم رحلة العبور مع الأصدقاء، وشراء القارب وجهاز ال جي بي إس، والخوف من الموت في عرض البحر، والصلوات، وأخيراً النجاة قبالة سواحل سردينيا. عن إيطاليا يوجد فقط مركز إلماس للاحتجاز، بكالياري، وعملية ترحيل تحدث بعد عشرة أيام "التي يمكنك أن تقول أنها عشر سنين". لكثرة الإهانات التي لحقت بهم. يحملونهم كالأعمدة المتراصة جنباً إلى جنب، يقيدونهم كالأغنام، يعاملونهم وكأنهم مصابون بالطاعون: "يأتي إلينا إيطاليٌّ ويتحدث إلينا بالإشارات، يتحدث إلينا من بعيدٍ وكأنه يخشى أن ينتقل إليه المرض". أيضاً بالنسبة لعزو – تماماً مثل لطفي – تختتم الأغنية بإشارةٍ إلى شباب عنابة الذين فقدوا في البحر. "نشكر الله أن نجانا، انظر من مات، انتهت حياتهم بلا معنى، أُم تنتظر ابنها وقد ابتلعته إحدى الأسماك". نتمنى لكم أن تستمتعوا بسماع هذه الأغنية، وبقرائتها أيضاً، ففيما يلي تجدون النص الكامل مترجم من الدراجة الجزائرية إلى الإيطالية


حراقة

رحلنا نحن حراقة، وقد سئمنا
المصائب، وسئمنا الفقر،
سئمنا الاحتقار، العار والبطالة.
ولكن رأيتَ نحن هنا في بلدنا
ومع ذلك فإن حياتنا بلا معنى،
لقد فقدنا المستقبل.
قدري هو القارب،
لكني أرحل على مضض،
سامحيني يا أمي، سامحني يا أبي،
أحبك يا بلدي، ولكن الله قد قدر لي.

هذه رحلة،
رحلة إلى سردينيا.
تعال لأحكي لك
لِمَ لَمْ يطيقوا البقاء.
الله نجانا،
رأينا الموت بأعيننا.
يا ليت الدود يأكلني، وليس الأسماك!

أغلقت الأبواب
وانهار القدر.
قلت لنفسي:
"لم يعد أمامنا سوى الهروب على متن قارب".
اجتمعنا. كنا عشرة أشخاص
اشترينا قارب،
ومحرك وجهاز جي بي إس،
قررنا المخاطرة،
فكلنا كنا بائسين
لكوننا نعيش في العار،
لذا بعيداً عن الشاطيء
وقت العصر، وجدنا أنفسنا جميعاً
في وادي بوقراط.
جلسنا في القارب
وجهاً لوجه، كان لدينا
زجاجات الزيت والغذاء.
كان المحرك ساخناً،
ولكن في قلبي كان يقبع البرد.
"يا بني – كانت تناديني أمي -
يا بني، أخبرني".
ندمت حقاًّ على ما فعلت،
ولكن القارب كان قد تحرك،
وذكرني بما قاسيته في هذه الحياة،
ذكرني بالدبلوم
الذي لم أعمل به قط،
لا يزال معلق على الحائط،
وفور رؤيتي له، أنخرط في البكاء،
ذكرني بالفقر
الذي رأيته عندما قلت:
"إذا بقيت هنا سأصبح لصاًّ".

على متن القارب قرأت
ما أحفظ من القرآن
لفترة قصيرة من الوقت نسيت مصائبي
ونسيت الماضي.

هذه رحلة،
رحلة إلى سردينيا.
تعال لأحكي لك
لِمَ لَمْ يطيقوا البقاء.
الله نجانا،
رأينا الموت بأعيننا.
يا ليت الدود يأكلني، وليس الأسماك!

أربع ساعات أحكي لك في غضب،
كان البحر هادئاً، ولكنه بعد ذلك ثار،
علت الأمواج من خلفنا
مسكين أيها القارب
لم يكن يعرف ماذا يفعل لنا.
أبكينا نحن من أجله
أم بكى هو من أجلنا؟
سأحكي لك،
رأينا الموت وسط أعيننا،
دخلت المياه القارب
حاولنا سكبها خارج القارب باستخدام عبوات الزيت والطعام،
تعطل جهاز جي بي إس،
كما تعطل الهاتف النقال.
مَن كنا نهرب منهم، أصبحنا الآن
نتمنى لو يأتوا ليوقفونا،
أخذوا أموالنا
ليرسلونا إلى الموت.
هناك اعتقدت بأني قد مت،
قلت لنفسي: "حياتي قد ولت"
وفكرت في والدي
وطلبت منهم الصفح،
لكن لحسن الحظ الله، سبحانه وتعالى،
لم ينسانا،
واستجيب لدعاء الوالدين
حتى بدون جهاز جي بي إس

رأينا سفينة قادمة من بعيد،
تهللنا فرحاً،
قلنا لأنفسنا: "أمل جديد"
ودبت الروح فينا من جديد.
أخذونا على متنها، وأطعمونا،
داوونا وغطونا
وإلى سردينيا اصطحبونا،
سعداء ولكن دون أن نفهم شيئاً.
تعال لأحكي لك ماذا حدث هناك

هذه رحلة،
رحلة إلى سردينيا.
تعال لأحكي لك
لِمَ لَمْ يطيقوا البقاء.
الله نجانا،
رأينا الموت بأعيننا.
يا ليت الدود يأكلني، وليس الأسماك!

غسلونا كالأعمدة المتراصة جنباً إلى جنب،
وبكيت لرؤية أبناء بلدي
في هذه الحالة،
ربطونا كالأغنام
ونقلونا إلى المركز،
يبكي يوغرطة، يبكي عنتر*،
حتى الآن أنا جزائري وقلبي دافيء
لا أفهم كيف فعلت ذلك
ورميت نفسي في النار،
يقولون لي أنني حراق
ولكنني أنا مَنْ أحرقت
ويفهمني فقط مَن مَر بما مررت به وذاق ما ذقته.
أمضوا عشرة أيام في المركز
ولكن يمكنك القول بأنها عشر سنوات،
في البلاد وضعونا بين المفقودين،
لم يعد آباؤنا يدرون
ما إذا كنا أمواتاً أم أحياءً،
والألم يحرقك أكثر من أجل المفقودين
أكثر من الموتى.
جائنا إيطالي
تحدث إلينا بالإشارات،
كان يتحدث من بعيد
وكأنه يخشى انتقال مرض الطاعون إليه.
هناك فهمت، لقد قبضوا علينا
كالحقائب
التي يجب إعادتها إلى بلدنا.
نحن – بفضل الله - نجونا،
انظر مَن مات،
انتهت حياتهم بلا معنى،
أمٌّ تنتظر ولدها
وقد التهمته إحدى الأسماك.
يا شباب، إذا كنتم في مشكلة
فالجئوا إلى الله.

هذه رحلة،
رحلة إلى سردينيا.
تعال لأحكي لك
لِمَ لَمْ يطيقوا البقاء.
الله نجانا،
رأينا الموت بأعيننا.
يا ليت الدود يأكلني، وليس الأسماك!

* يوغرطة كان إحدى ملوك نوميديا البربر الذي – في القرن الثاني قبل الميلاد - شن الحرب ضد الإمبراطورية الرومانية في منطقة هي في الوقت الحالي الجزائر. عنتر هو شاعر عربي شهير في العصر الجاهلي، عاش في القرن السادس بعد الميلاد