07 June 2011

الاحتجازات غير القانونية في لامبيدوزا


منذ أكثر من شهر، هناك مائتي مواطن تونسي محتجزين من قِبَل الحكومة الإيطالية. يحاول محاميان الدفاع عنهم، إلا أن وزارة الداخلية الإيطالية تقف لهم بالمرصاد، نافيةً حق الدفاع القانوني عن سجين سياسي سابق لنظام بن علي. يأتي هذا في الوقت الذي استؤنِفَت فيه عمليات الترحيل الجماعية للمواطنين التونسيين من لامبيدوزا إلى تونس. ولعرقلة هذه الأمور في بانتيلِّيريا، يقوم البعض بقطع شرايينه احتجاجاً على ذلك. ولكن دعونا نروي القصة من بدايتها، من يوم السبت الموافق 4 حزيران (يونيو) 2011. تمام التاسعة صباحاً، والمحاميان ليوناردو مارينو وجاكومو لاروسَّا متواجدان في موعدهما أمام أبواب مركز استقبال لامبيدوزا، في كونترادا إمبرياكولا. جاءا من أجريجينتو لمقابلة مَنْ وكَّلوهم للدفاع عنهم: 16 مواطناً تونسياًّ محتجزين على الجزيرة منذ بداية شهر آيار (مايو) وَكَّلُوا بشكلٍ قانونيٍّ هذين المحاميين للدفاع عنهم. عند مدخل المركز، ينتظرهم أحد ضباط الشرطة. وعلى الفور، يُفْهَمُ أن أمراً ما ليس على ما يرام

أخبرنا أنه لا يستطيع أي شخص الدخول دون إذن من المجلس المحلي. رئيس المركز كونو جاليبو – الذي وصل لِتَوِّهِ – أكد نفس الشيء. حقاًّ إنه لأمرٌ غريبٌ، ففي كافة مراكز تحديد الهوية والطرد (Cie) في إيطاليا، كل المحتجزين لهم كامل الحق في توكيل من يدافعون عنهم، كما من حق المحامي مقابلة مُوَكِّلِيه بحريةٍ كاملةٍ دون الحاجة إلى الحصول على أي إذن من المجلس المحلي. المحاميان على عِلمٍ بهذا، لذلك أظهروا مستندات التوكيل المُوَقِّع عليها (ومصدقة – بشكلٍ يدعو للارتياب - من قِبَلْ أحد الموظفين في بلدية لامبيدوزا) 16 مواطناً تونسياًّ. ولكن في النهاية ليس هناك ما يمكن القيام به، لذا قرر المحاميان عرض القضية مباشرةً على المجلس المحلي لأجريجنتو، باعتباره مسئولاً عن مركز الاستقبال في لامبيدوزا

هاتفياًّ، أجاب نائب رئيس المجلس المحلي إليزا فاكَّارو. شرح لها المحاميان مبدأ عدم المساس بحق الدفاع، وأوضحا أنهما لا يرغبان في زيارة المركز، ولكنهما يريدان فقط مقابلة موكليهم في الأماكن التي حددتها المنظمة الدولية للهجرة خارج منطقة الاحتجاز. لكن بلا جدوى. تمسكت النائبة بقرار 1305 الصادر في الأول من أبريل عام 2001، والذي يقضي بمنع كل مَن لا يحمل تصريحاً من المجلس المحلي مِن دخول مراكز الاستقبال ومراكز تحيد الهوية والطرد، ويدعو المحامين الراغبين في الدخول إلى هذه الأماكن إلى تقديم طلبٍ رسميٍّ إلى وزارة الداخلية

لم يكن أمام المحاميين خياراً آخر: في تمام الحادية عشر وثلاث وثلاثين دقيقة، قام المحاميان مارينو و لاروسَّا بإرسال فاكس موضوعه طلب إجراء مقابلة دفاعية س/و في لامبيدوزا، قاما بإرساله إلى مكتب رئاسة المجلس المحلي في أجريجنتو، وإلى إدارة الحريات المدنية والهجرة في وزارة الداخلية، كما تم إرسال نسخة للعلم إلى المنظمة الدولية للهجرة في روما، مع التأكيد على الأهمية القصوى للأمر

وفي تمام السابعة والربع مساءً، بعد مرور عشر ساعات من الانتظار، يصل – أخيراً - إذْن المجلس المحلي لأجريجنتو، والذي يسمح للمحامِيَّيْن بمقابلة موكليهم فقط، وعدم مقابلة أي شخص آخر. نعم، لأن وزارة الداخلية قررت أن المحامِيَّيْن يمكن أن يتقابلا فقط مع المواطنين التونسيين الذين قدموا فور وصولهم نفس البيانات التي قاموا بتسجيلها والتوقيع عليها لدى النيابة العامة، والتي تتضمن توكيل محامين للدفاع عنهم. وهكذا، تم سلب حق الدفاع من سبعة مواطنين تونسيين؛ نظراً لأنهم قاموا - وقت تحديد الهوية – بالإدلاء ببيانات تبين بعد ذلك أنها غير مُسَجَّلَة لدى النيابة العامة عند قيامها بتعيين محامين للدفاع عن هؤلاء المواطنين.

من بين هؤلاء، القضية الأكثر حساسيةً هي قضية مواطنٍ تونسيٍّ من قَصفَة تم احتجازه منذ أكثر من 20 يوماً. طلب هذا المواطن اللجوء السياسي في إيطاليا، وهو يواجه خطر العودة إلى السجن لتنفيذ عقوبة صدرت بِحَقِّهِ أثناء حكم بن علي لمشاركته في حركات الرديف الثورية عام 2008، عندما استطاع نظام حكم بن علي القضاء على الحركة السياسية لحوض التعدين، بعد أن ألقى القبض على مئات الأشخاص بتهمة ارتكاب جرائم عامة، مثل التخريب، والحرق، والتآمر الجنائي. وفيما يتعلق بهذا المواطن التونسي، كان قد أفصح عن هوية مزيفة عقب وصوله إلى لامبيدوزا، حيث أنه لا يزال في حالة صدمة نتيجة للتعذيب الذي تلقاه في السجن قبل سقوط النظام، ويخشى من مجرد فكرة أن تتمكن السلطات التونسية القنصلية من التعرف عليه وإعادته إلى أيدي مَن عذبوه. في فرنسا، تنتظره زوجته، وهي مواطنة فرنسية، والتي تقوم الآن في باريس بحشد محامين على مستوى دولي بشأن قضيته. لكن إيطاليا أصدرت قرارها. مرةً أخرى، تأتي القرارات نابعةً مع المنطق البوليسي وليس من المنطق الحقوقي: مَن أفصح عن اسمين مختلفين، أياًّ كان السبب الذي دفعه لذلك، لم يعد لديه الحق في انتداب محامٍ للدفاع عنه. لم يعد لديه حق الدفاع.

قرار ينظر له البعض في دولٍ أخرى على أنه قرارٌ مخيفٌ ولا يمكن أن ينبع حتى مِمَّن يجهل القانون. هناك فكرة أخرى مخيفة: كيف لدولةٍ أوروبيةٍ في عام 2011 أن تقوم باحتجاز 200 شخصاً ينتمون لبلدٍ مجاورٍ وهو تونس، وأن تسلب منهم حريتهم الشخصية بعيداً عن أية ضمانات قانونية. هؤلاء المواطنين محتجزون في مكانٍ مُخَصَّص – من الناحية القانونية – للاستقبال، لكنه في حالة هؤلاء المواطنين تحوَّلَ إلى سجن. هذه القصة مستمرة منذ شهرٍ، أو بالأحرى منذ شهرٍ وستة أيام. منذ يوم 2 مايو الماضي وما شهده من وصول الكثير من المواطنين. منذ ذلك الحين، لم يتم التصديق على عملية احتجاز المواطنين التونسيين من قِبَل أية محكمة، كما هو منصوص عليه بموجب القانون الإيطالي في حالة ما تعرض مواطن إيطالي أو أجنبي لسلب حريته واحتجازه في أحد السجون أو في إحدى مراكز تحديد الهوية.

في هذه الحالات، قانون الإجراءات الجنائية واضح. المادة 605: احتجاز شخص. يُعَاقَب أي شخص يسلب حرية شخصاً بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وثماني سنوات. لماذا لا تفتح النيابة العامة بأجريجينتو ملف لامبيدوزا؟ يمكنها أن تقوم بذلك قبل أن يتقدم المحامين بشكوى جنائية نتيجة للأضرار التي لحقت بموكليهم. نعم، لأنه في النهاية – وبالرغم من القيود التي تفرضها وزارة الداخلية – تعرض بعض المحتجزين لهذه الأضرار. خمسة فقط، ولكن أفضل من لا شيء. والآن يتعيَّن على شخصٍ ما تقديم تفسيراً لاحتجازهم بشكلٍ غير قانونيٍّ

الأربعة أشخاص المحتجزون الآخرون الذين وُكِّلُوا للدفاع عن أنفسهم ليسوا موجودين بعد في الجزيرة. اثنين منهم تم نقلهم بالإسعاف الجوي إلى مستشفى كاتانيا يوم 30 آيار (مايو) الماضي بعد قيامهما بمحاولة انتحار، أما الإثنين الآخَرَيْن فتم إعادة ترحيلهم على متن رحلات جوية من باليرمو يوم 27 آيار (مايو) و2 حزيران (يونيو). نعم، لأنه في هذه الأثناء تم استئناف عمليات الترحيل الجماعية

على الجزيرة، لايزال هناك فقط ما يقرب من مائة مواطن تونسي. غادرَت أمس من لامبيدوزا ثالث رحلة جوية خلال أسبوع وعلى متنها 26 راكباً، جميعهم تونسيين، تم التعرف عليهم من قِبَل القنصل في مطار باليرمو، وبمرافقة الشرطة الإيطالية تم ترحيلهم إلى تونس. حتى الآن لا تتوفر معلومات كثيرة بشأن عمليات إعادة الترحيل. ولكن بدأت بعض الأصوات في الحديث عن ذلك. من ناحيةٍ يُقَالُ أنه لا يتم تسليم نسخة مكتوبة من قرار الترحيل إلى المواطنين الذين تتم إعادة ترحيلهم، مما يجعل من المستحيل رفع دعوى قضائية في هذا الشأن. ومن ناحيةٍ أخرى هناك مَن يتحدث عن العنف الذي تنتهجه قوات الأمن الإيطالية لتنفيذ عمليات إعادة الترحيل

وتستمر الاحتجاجات ضد عمليات إعادة الترحيل، وللأسف تعود مرة أخرى الاحتجاجات من خلال قيام المحتجزون بإلحاق أضرار بأنفسهم. بعد قيام ما يقرب من ثلاثين شخص - في الأيام الأخيرة السابقة – في لامبيدوزا بابتلاع شفرات الحلاقة، والحديد، والزجاج؛ كي يجبروا المسئولين على حملهم إلى المستشفى وتجنب عملية إعادة ترحيلهم إلى أوطانهم. بالأمس كان دور بانتيلِّيريا، حيث قام بعض المواطنين التونسيين المحتجزون داخل ثكنة بارونيه – الذين يبلغ عددهم ما يقرب ستين شخص – بتقطيع صدورهم وأذرعهم بقطع زجاجية مكسورة احتجاجاً على احتجازهم بالجزيرة منذ يوم 27 آيار (مايو) الماضي، مطالبين بنقلهم – على وجه السرعة - إلى تراباني


نشكر جيرمان جراتشيفُّو من مؤسسة بورديرلاين سيتشيليا على المعلومات الواردة في تقريره الذي أعدَّهُ من لامبيدوزا في 6 يونيو 2011

translated by Mohammad Naguib