

في الفترة بين 11 و 20 يونيو، تم ترحيل ما لا يقل عن 810 أريترياًّ. بينما أطلقت منظمة العفو الدولية من القاهرة صيحات إنذار حول مصيرهم، وفي أسمرا عرض التلفزيون الحكومي صور المرحلين، مؤكداً صعوبة عودتهم. وأعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة أن الجميع سيعودون قريباً إلى عائلاتهم، وسيحصلوا على تعويض قيمته 500 نافا، أي ما يعادل 50 دولار تقريباً. إلا أن هذا لم يحدث. ويعرف أقرباء المرحلين الذي يعيشون في القاهرة ذلك جيداً. فهم على اتصال دائم مع أقاربهم في الوطن. تم الإفراج فقط عن النساء اللائي بحوزتهن أطفال. أما الآخرين فقد تم احتجازهم في معسكرات التدريب العسكري، أو في السجن، كما حدث مع "تشي".

بالرغم من عمليات الترحيل، لاتزال محاولات الذهاب إلى إسرائيل مستمرة. لدرجة أن البرلمان الإسرائيلي صوت لصالح مشروع قانون يقضي بمعاقبة من يدخل البلاد بصورة غير شرعية بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات. ولكن من أين جائت فكرة الذهاب إلى إسرائيل؟ ولماذا إسرائيل بالذات دون أوروبا؟ كي نفهم ذلك، لابد أن نرجع إلى عام 1983 – أي منذ 26 سنة - وهو تاريخ بدء الحرب الثالثة في جنوب السودان، والتي وصل عدد ضحاياها إلى مليونين خلال عشرين عاماً من القتال. في بداية الثمانينات، تم اكتشاف حقول للنفط في الجنوب. تسبب الصدام المسلح بين الجيش والحركة الشعبية المتمردة لتحرير السودان في نزوح مئات الآلاف داخل وخارج البلاد. وبالطبع كانت مصر في الشمال ملاذاً للهروب. وصل اللاجئون الأوائل إلى القاهرة عام 1985. وكان آباء كومبوني - من كنيسة القلب المقدس بالعباسية – في استقبالهم.
"في البداية كنا نستقبلهم داخل الكنيسة – هكذا يتذكر اليوم الأب سيمون -. كان هناك 100 شخصاً وحوالي عشرين طفلاً أقمنا مدرسة صغيرة لهم". اليوم وصل عدد الأطفال إلى 1200 موزعين على أربع مدارس في سانتا بخيتة، وكيلو أربا أونوس، والمعادي والزيتون. ومثلهم يذهبون إلى 12 مدرسة أخرى أسستها كنائس أخرى بالقاهرة. نعم فمنذ عام 1985 لم تتوقف موجات النزوح من السودان إلى مصر. انتهت الحرب في جنوب السودان بتوقيع معاهدة يناير 2005. من عام 1994 وحتى عام 2005 تسلمت بعثة المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بالقاهرة 58535 طلب لجوء سياسي تقدم بها اللاجئون السودانيون. حصل 31990 سودانياًّ على حق اللجوء، من بينهم 16675تم إعادة توطينهم في الخارج، وخصوصاً في الولايات المتحدة وكندا والسويد واستراليا. وفي عام 2005 - بعد نهاية الحرب في جنوب السودان - علقت المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مشاريع التوطين، وتوقفت عن منح حق اللجوء السياسي للاجئي جنوب السودان. في غضون ذلك، اندلعت في عام 2003 حرب ثانية في دارفور بين ميليشيا الجنجويد العربية التي تدعمها حكومة الخرطوم، وجماعات المتمردين المحلية، وجيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة. ومنذ عام 2004، وصل بعض هؤلاء اللاجئين إلى القاهرة، وتقدموا بطلبات للحصول على حق اللجوء السياسي وإعادة التوطين، ولكن دون جدوى. فلم تعد المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تصدر البطاقة الزرقاء بسهولة.
احتجاجاً على ذلك، قامت مجموعة قوامها 2000 من لاجئي دارفور – وذلك في الفترة من أكتوبر وحتى ديسمبر 2005 – بالاعتصام في حديقة مسجد مصطفى محمود في المهندسين، وهو مكان لا يبعد كثيراً عن مقر المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بالقاهرة، مطالبين باحترام حقوقهم. وفي منتصف شهر نوفمبر، قررت المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بالقاهرة إغلاق مكاتبها مؤقتاً، دون الإفصاح عن أسباب ذلك. في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة الموافق 30 ديسمبر 2005، تدخلت الشرطة المصرية وفضت بكل قوة الاعتصام. قتل ما لا يقل عن 28 لاجيء خلال عمليات الضرب. في حين ألقي القبض على 2174 آخرين. تم الإفراج عن جزء منهم بعد يومين. قام الكومبونيان باستضافتهم في كنيسة العباسية. كان هناك أشخاص لديهم جروح لاتزال مفتوحة، وآخرون كانوا يعانون من كسور، ولم يكن أحد منهم قد تلقى أي عناية طبية. كانوا رجالاً ونساءً وأطفالاً.
ومنذ ذلك الحين – هكذا يؤكد الأب سيمون – بدأ اللاجئون يفكرون في إسرائيل. التواريخ تتزامن. بلغ عدد المهاجرين الأفارقة الذين تم اعتراضهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية على الحدود مع مصر 200 وذلك خلال عام 2005، ثم بلغ 1200 خلال عام 2006. الواصلون الأوائل هم مَن صنعوا الحلم. في غضون بضعة أشهر، انتشرت الفكرة بين الثلاثين ألف سوداني الذين يعيشون في القاهرة وبيع عائلاتهم في السودان. كما انتشرت الفكرة أيضاً في الخرطوم بين المشردين الإريتريين. في عام 2007، وصل عدد من دخلوا إسرائيل من خلال سيناء 5500، بعد أن كانوا 2000 فقط خلال الثلاثة أشهر الأولى لعام 2008. ولكن لا يحلم الجميع بتل أبيب. بابتيستيه هو أحدهم. يعيش في القاهرة منذ عام 2003، ويُدَرِّس الموسيقى في إحدى مدارس الكومبونيين. لا يتحدث عن الذهاب إلى إسرائيل. الأمر مكلف جداًّ وغاية في الخطورة. "مَن يريدون الرحيل فقدوا الأمل".
ترجمة: محمد نجيب سالم